من العهد الفضي الى العهد الذهبي : 25 سنة من حكم صاحب الجلالة الملك محمد السادس

من العهد الفضي الى العهد الذهبي : 25 سنة من حكم صاحب الجلالة الملك محمد السادس

سليمة فراجي

تعتبر سنة 1999 سنة مفصلية وحاسمة في تاريخ مغرب يتسع لجميع جهاته ويتمتع بموقع استراتيجي وموروث ديبلوماسي جعلا منه صلة وصل بين الشمال والجنوب، وبين الشرق والغرب وفاعل متميز تموقع بشموخ داخل المنتظم الاقليمي والدولي بدور محوري يشغله الملك في التسلسل الهرمي المؤسسي والهندسة الدستورية في مجال السياسة الخارجية.

خمسة وعشرون سنة شاملة ونوعية جعلت من المغرب نموذجا يحتذى به داخل سياق إقليمي محفوف بالمخاطر، اعتبارا من كون البيئة الامنية هي المساهمة الرئيسية في توفير الاستقرار و استتباب الامن والامان ، التفاتة تاريخية عرفها مطلع العشرية الاولى تجلت في المنحى السياسي المنتصر لدولة الحق والقانون ،المعلن عنه في اول خطاب للعرش في 30 يوليوز 2000 والذي جاء فيه : “غايتنا المثلى تضميد الجراح وفتح صفحة جديدة تكرس فيها كل الطاقات لبناء مستقبل مغرب ديموقراطي وعصري وقوي لمواجهة المشاكل الحقيقية والملموسة لأجياله الصاعدة …” وبذلك كانت حصيلة اشتغال هيئة الإنصاف والمصالحة سنة 2006 أهم حدث عرفه المشهد الحقوقي خلال حكم عاهل البلاد الملك محمد السادس .

وعن البرلمان القوي القادر على القيام بدوره الرقابي وصلاحياته التشريعية والديبلوماسية جاء في الخطاب الملكي السامي بمناسبة افتتاح الدورة الاولى من السنة التشريعية الخامسة من الولاية التشريعية الثامنة بتاريخ 2011/10/14ما يلي :” إننا حريصون على ان تعكس المؤسسات الجديدة روح ومنطوق الدستور وان تجسد طموحنا الجماعي في انبثاق هيئات نيابية، وتنفيذية ناجعة ، عمادها برلمان قوي معبر عن الإرادة الشعبية الحرة يمارس صلاحياته التشريعية الحصرية والرقابية الواسعة وينهض بدوره الفاعل في المجال الديبلوماسي خدمة للقضايا العادلة للامة وفِي طليعتها قضية وحدتنا الترابية”.

الحقل الديني كان من اهم انشغالات ملك البلاد إذ انخرطت المملكة المغربية، القوية بموقعها كملتقى للثقافات، وبتاريخها المفعم بقيم التسامح والانفتاح، منذ 25 سنة تحت قيادة أمير المؤمنين في مسلسل واسع النطاق لإصلاح الحقل الديني، يجسد تفرد التجربة المغربية ضمن سياق إقليمي ودولي مضطرب.

كما انه تم التوقيع على ما يقارب 400 اتفاقية دولية كالبروتوكول الدولي لمناهضة التعذيب واتفاقيات مناهضة الفساد والاتفاقيات المرتبطة بمحاربة الجريمة المنظمة وغسل الاموال والاتجار بالبشر والإرهاب،

‎و اعتبرت المصادقة على مدونة الاسرة ودخولها حيز التنفيذ سنة 2004قفزةً تاريخية تحسب لملك البلاد ، رفعت الحيف عن النساء ولا تعتبر مكسبا للمرأة وحدها بل بكونها دعامة للأسرة المغربية المتوازنة ، ولئن عرفت حاليا بعض الثغرات فان مقترحات التعديل ستجود لا محالة هذه الترسانةالقانونية المهمة وقد وجه ملك البلاد رسالة الى السيد رئيس الحكومة تتعلق بإعادة النظر في مدونة الأسرة تفعيلا لخطاب العرش لسنة 2022 وإسناد هذه المهمة بشكل جماعي ومشترك، لكل من وزارة العدل والمجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة، وذلك بالنظر لمركزية الأبعاد القانونية والقضائية لهذا الموضوع مع اشراك بشكل وثيق الهيئات الأخرى المعنية بهذا الموضوع بصفة مباشرة، وفي مقدمتها المجلس العلمي الأعلى، والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، والسلطة الحكومية المكلفة بالتضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة، مع الانفتاح أيضا على هيئات وفعاليات المجتمع المدني والباحثين والمختصين،

‎يضاف الى ذلك تركيز قوي في مختلف الخطابات مفادها ان العاهل ملك لجميع المغاربة ويعتز بالانتماء لحزب المغرب و لا فرق لديه بين مكونات الهوية المغربية التي ترسخ الوحدة الوطنية ، وان النقاش المبني على التعصب والتفرقة مرفوض ، ولا يسمن او يغني من جوع ،معتبرا ان الجهوية المنشودة يجب ان تكون استثمارا للتنوع البشري و الطبيعي و التمازج والتضامن والتكامل بين جميع ابناء الوطن ومناطقه ، مع التأكيد على استيعاب المفهوم الجديد للسلطة المتمثل في تطبيق القانون وتفعيل اليات الضبط والمحاسبة ومحاربة الفساد لكونه ليس قدرا محتوما ،وانه ليس من العيب ان تكون الدولة قوية بمواطنيهاورجال أمنها، غير راض باي ضغط قد يواجهه المغرب بسبب وحدته الترابية وسيادته التي هي من ثوابته الأربع المنصوص عليها دستوريا ،علما ان الصحراء المغربية أصبحت قطبا اقتصاديا مهما بدون منازع ، مؤكدا ان المغرب ليس محمية وانفتاحه لا يعني تغيير مواقفه وتوجهاته مدركا استراتيجية واهمية التعاون جنوب جنوب الى جانب الانفتاح على دول اخرى والشراكة مع الاتحاد الاوروبي والتعامل على أساس رابح رابح ،وليس التبعية ، مع وضع توازنات شرق غرب لاهمية علاقة المغرب بالولايات المتحدة الامريكية ودول اخرى ، علما ان ملك البلاد صرح بكل شموخ وثقة في النفس أن العلاقات بين شركاء المغرب يجب ان تتسم بالوضوح خاصة فيما يتعلق بقضية الصحراء: “إن ملف الصحراء هو النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم، وهو المعيار الواضح والبسيط، الذي يقيس به صدق الصداقات، ونجاعة الشراكات. لذا، ننتظر من بعض الدول، من شركاء المغرب التقليديين والجدد، التي تتبنى مواقف غير واضحة، بخصوص مغربية الصحراء، أن توضح مواقفها، وتراجع مضمونها بشكل لا يقبل التأويل”.خطاب جلالة الملك بمناسبة الذكرى 69 لثورة الملك والشعب.

الجانب الديبلوماسي كان من بين اولويات عاهل البلاد تجسدت منذ بداية تقلده الحكم بمقتضى الرسالة الملكية الموجهة إلى المشاركين في الندوة المنظمة بالرباط بمناسبة الاحتفال باليوم الوطني للدبلوماسية المغربية يوم 28 أبريل 2000، ” إن الديبلوماسية التقليدية بمفهومها الكلاسيكي المتمثل في جهاز وزارة الخارجية والبعثات الديبلوماسية باتت تواجه تحديات كبيرة بسبب التقدم الهائل لوسائل الاتصال والاعلام والنقل والتوسع المطرد للتعاون الدولي وانفتاح المجتمعات على بعضها البعض ضمن عولمة شمولية وتداخل الداخلي بالخارجي وظهور موضوعات جديدة كثيرة ومعقدة وتقنية على جدول أعمال السياسة الخارجية كالاقتصاد والتجارة والمال والنقد والشغل والهجرة والأمن والبيئة وحقوق الانسان والثقافة ودخول فاعلين جدد في العمل الديبلوماسي من مجالس برلمانية وجماعات محلية ومنظمات غير حكومية ومقاولات بل وحتى أشخاص ذاتيين مثل كبار المبدعين والمثقفين والفنانين والأبطال الرياضيين ناهيكم عن المكانة البارزة للمنظمات الدولية الجديدة الاقتصادية والمالية والتجارية وما لها من دور تشريعي متميز والأهمية المتزايدة للديبلوماسية الوقائية”.

انتهى النطق الملكي السامي .

حقبةتميزت كذلك بمواجهة التغيرات المناخية واعتماد الطاقة البديلة ، ولعل إنجاز محطات الطاقة الشمسية بورزازات التي أصبحت ذات صيت عالمي اكبر دليل على تحقيق المشاريع على ارض الواقع وهي مشاريع ضخمةلانتاج الطاقة النظيفة من الشمس والرياح والمياه وتغطية 42في المائة من حاجات البلاد للطاقة لتصل الى 52 في المائة في أفق 2030 ،

‎وصاحب الجلالة الملك محمد السادس ايمانا منه بالارادة السياسية الحقيقية لانصاف فئة واسعة من البشرية لا تستفيد من المنافع بقدر ما تتحمل التبعات الناتجة عن الضرر المناخي وجه خطابا قويا ومؤثرا للمشاركين في الدورة 26 لمؤتمر الاطراف في اتفاقية الامم المتحدة الاطار بشأن تغيير المناخ

ومن بين ما جاء في الخطاب :

“فمع تواتر تقارير خبراء المناخ، يتأكد للجميع أن التوقعات الأكثر قتامة أصبحت واقعا مريرا، يضع البشرية أمام خيارين : إما الاستسلام للتقاعس المدمر للذات، أو الانخراط بصدق وعزيمة في إجراءات عملية وسريعة، قادرة على إحداث تغيير حقيقي في المسار الحالي الذي أثبت عدم فعاليته.”

‎انتهى النطق الملكي السامي

من جهة اخرى فان التركيز على مصلحة المواطن كانت اهم الرسائل المستنتجة من مختلف الخطابات ، توجيهات للمسؤولين والمنتخبين المطالبين بخدمة المواطن ،والناخبين المطالبين بتحكيم ضمائرهم مع الحرص على الكفاءة والمصداقيةلكون التصويت

‎امانة و وسيلة لتغيير التسيير اليومي ،

‎إصلاحات تنموية ومبادرات همت

‎جميع جهات المملكة قطعا مع ماكان سائدا من مغرب نافع وآخر غير نافع ، اوراش كبرى فتحت في مدن المملكة مثال ذلك جهة الشرق التي تعرضت للتهميش والاقصاء شهدت قفزة نوعية بعد الخطاب الملكي التاريخي المؤرخ في 2003/3/18 والذي أعطى الانطلاقة للأوراش الكبرى مثل الطريق السيار وكلية الطب والمركز الاستشفائي الجامعي و المدارس العليا و مراكز تجارية وانجاز المحطة السياحية بالسعيدية ومحطة مارشيكا بالناظور ، وتأهيل المطارات ، واحداث المراكز التجارية الكبرى وإنشاء المدارات الطرقية التي فكت العزلة عن المناطق النائية ،

‎واذا كان فتح الحدود بالنسبة للمناطق الحدودية يساهم في تحسين الوضعية المادية للساكنة عن طريق التكامل الاقتصادي وهي عملية تعثرت ، فان ذلك لم يمنع من كون جهة الشرق لم تعد جهة تأديب كما كانت وانما تتوفر على جميع المرافق الحيوية من مطارات وطرق وميناء بالناظور وقطب فلاحي بابركان ، و الوعاء العقاري والمحاكم المتخصصة ، وجميع مواصفات المدن الصاعدة، ومهما يقال عن مشكل البطالة وعدم وجود معامل بالقطب الصناعي فان ذلك راجع الى سياسات حكومية فاشلة لم تلتفت الى تحفيزات ضريبية تستقطب المستثمرين ، وراجع الى تركيز رجال المال والأعمال بالجهة على تشييد المقاهي وقاعات الحفلات والحمامات ليس الا ، مع انعدام مدارس او جامعات تنقذ مدينة السعيدية من الاحتضار مدة عشرة اشهر ، كما ان ميناء الناضور سيكون رافعة للاستثمار لا محالة ،علما ان صاحب الجلالة في خطاب العرش لسنة 2014 شخص واقعا حلل فيه معاناة المغاربي من جراء استمرار اغلاق الحدود وإسدال الستار الحديدي بين المغرب والجزائر ، كما ان خطاب 20 غشت 2016 بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب اشار الى ارتباط المغرب بمحيطه انطلاقا من تاريخ مبصوم بتضامن المغرب المطلق عبر التنسيق بين قيادات المقاومة المغربية وجبهة التحرير الجزائرية .

‎ كما ان مطلع العشرية الثانية تميز بدستور رفع سقف الحقوق والحريات وعبر عن الإرادة القوية للدولة المغربية في اتجاه تكملة مسار الإصلاح الديموقراطي وتنزيلا للأوراش التي من شأنها تحقيق العدالة المجالية وتجسيد النموذج المرتكز على قيم التضامن والتماسك الاجتماعي بغية تحسين ظروف العيش وتخفيض نسب الفقر ، ولعل الحماية الاجتماعية حققت وستحقق نتائج إيجابية على ارض الواقع في مجال التغطية الصحيةوالاستفادة من مجانية العلاجات الطبية ، كما ان ورش الجهوية الموسعة تنزيلا لمقتضيات الدستور والقوانين التنظيمية المصادق عليها خلال الولاية البرلمانية السابقة ، من شأنه خلق التوازن بين الجهات وتقليص التفاوت عن طريق صندوق التأهيل الاجتماعي وصندوق التضامن بين الجهات ، علما انه اصبح لرؤساء الجهات الاثني عشر اختصاصات وسلطات اوسع انتصرت لإشراك المواطن عبر اليات الديموقراطية التشاركية .

‎ ورش استقلال القضاء والارتقاء به كسلطة واستقلالية النيابة العامة بمنحى حقوقي كان حدثا بارزا خلال العشريتين الاولى والثانية ، كما ان الترسانة القانونية سواء تعلق الامر بالقوانين التنظيمية المكملة للدستور او القوانين العادية بدورها عرفت مناقشات مستفيضة من خلال الندوات والمناظرات ومختلف وجهات النظر وان الإصلاحات الملكية همت قوانين الاسرة والأحزاب والجمعيات والجنسية في تناغم مع مغرب عصري متطور ومتشبت بهويته التاريخية الغنية والمتنوعة ، علما ان المغرب مطالب بملاءمة تشريعاته الوطنية مع الاتفاقيات الدولية طبقا لتصدير الدستور المعتبر جزء منه ، وبذلك فان اكتساب مهارات الصياغة التشريعية وإعداد النصوص والمقترحات والتعديلات وتجويدها هي مسؤولية بين الجهات الحكومية التي تتقدم بمشاريع القوانين والبرلمان الذي يأتي بالمقترحات حتى تتلاءم مع حاجيات المجتمع ولا تحدث الظلم اكثر مما تشيعه من عدل ،خصوصا وان التشريع انتقل من القوميةالى العالمية .

ملك البلاد يراهن على السير بالمغرب من اجل جعله في مصاف الدول المتقدمة وقد تضمن خطاب الذكرى 48 للمسيرة الخضراء دعوةً ملكية واضحة إلى “تأهيل المجال الساحلي وطنياً، بما فيه الواجهة الأطلسية للصحراء المغربية، وكذا هيكلة هذا الفضاء الجيو-سياسي على المستوى الإفريقي”.

‎وجاء في خطاب الملك الى الأمة بالمناسبة نفسها إنه “إذا كانت الواجهة المتوسطية تعد صلة وصل بين المغرب وأوروبا، فإن الواجهة الأطلسية هي بوابة المغرب نحو إفريقيا، ونافذة انفتاحه على الفضاء الأمريكي”.، “ينبغي مواصلة العمل على إقامة اقتصاد بحري يساهم في تنمية المنطقة، ويكون في خدمة ساكنتها”، جاعلاً قِوامه في “تطوير التنقيب عن الموارد الطبيعية في عرض البحر، ومواصلة الاستثمار في مجالات الصيد البحري، وتحلية مياه البحر، لتشجيع الأنشطة الفلاحية، والنهوض بالاقتصاد الأزرق، ودعم الطاقات المتجددة”.

‎كما دعا إلى “اعتماد استراتيجية خاصة بالسياحة الأطلسية تقوم على استثمار المؤهلات الكثيرة للمنطقة قصد تحويلها إلى وجهة حقيقية للسياحة الشاطئية والصحراوية”.

ختاما وطبعا لا يمكن الإلمام بجميع منجزات 25 سنة المنقوشة بمداد الفخر والاعتزاز في ذاكرة المغاربة ، ولكن الطريق لا زال طويلا وشاقا ولا يمكن للمسار التنموي تحقيق العيش الكريم للمواطن الا بتضافر الجهوذ وتحمل كل مسؤول لمهامه بجدية واخلاص و تغليب المصلحة العامة على الخاصة ، وربط المسؤولية بالمحاسبة مع عدم الافلات من العقاب ، وتحمل المواطن لمسؤوليته في اختيار المنتخبين القائمين على الشأن المحلي .

‎  محامية برلمانية سابقة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *