رئيس جهة الشرق.. الغائب الأكبر وسط مشاكل الجهة
رغم الصلاحيات الواسعة التي خولها القانون التنظيمي للجهات لرؤسائها، وفي مقدمتها إعداد برامج التنمية الجهوية والتصميم الجهوي لإعداد التراب، فإن جهة الشرق لا تزال تراوح مكانها، تعاني من بطالة خانقة، وضعف في جاذبية الاستثمار، وغياب مشاريع هيكلية قادرة على تغيير واقعها الاقتصادي والاجتماعي. في قلب هذا المشهد، يبرز اسم رئيس مجلس جهة الشرق كـ”الغائب الأكبر” عن دينامية التغيير، منذ تقلده منصباً لم يكن على ما يبدو مستعداً لتحمل مسؤولياته الجسيمة.
وإذا كان دستور 2011، جاء حاملا طموحا كبيرا لتكريس الجهوية المتقدمة كآلية لتحقيق تنمية مندمجة ومتوازنة بين مختلف ربوع المملكة. غير أن ما تحقق على أرض الواقع في جهة الشرق يطرح أكثر من علامة استفهام حول مدى قدرة المجلس الجهوي، ورئيسه خصوصاً، على تنزيل هذا الطموح إلى مشاريع ملموسة. فعوض أن تتحول الجهة إلى قطب اقتصادي نشط يوازي موقعها الاستراتيجي، ظلت تعاني من ركود تنموي مزمن، ومعدلات بطالة مرتفعة، خصوصاً في صفوف الشباب وخريجي الجامعات.
منذ انتخابه على رأس مجلس جهة الشرق، لم يسجل لرئيسها حضور مؤثر في النقاش العمومي أو في تتبع الملفات الكبرى التي تؤرق ساكنة المنطقة على مستوى الاجتماعات التي تعقد مع والي الجهة او بحضور مسؤولين مركزيين. ورغم ما تمنحه النصوص القانونية من صلاحيات في مجال التدبير، وإعداد البرامج، وجلب الاستثمارات، إلا أن الأداء ظل محدودا، إن لم يكن غائبا، في غياب رؤية استراتيجية واضحة أو إرادة سياسية قوية لتحريك عجلة التنمية، وذلك تطبيقا لمقولة ” فاقد الشيء لا يعطيه” و “فاقد السلطة لا يمارسها”.
وما يزيد من هشاشة المشهد غياب معارضة جهوية حقيقية، قادرة على ممارسة الرقابة والمساءلة، وتقديم بدائل واقعية. هذا الفراغ جعل قرارات المجلس تمر في صمت، دون نقاش أو تقييم لأثرها الفعلي على الواقع المعيشي للمواطنين.
في مداخلة حادة اللهجة، أطلق عمر أعنان، النائب البرلماني عن الفريق الاشتراكي، صرخة مدوية تحت قبة البرلمان، منتقداً ما سماه “الإقصاء الممنهج” الذي جعل من جهة الشرق “جهة معطّلة”.
وقال أعنان متسائلا “كيف يمكن لجهة الشرق أن تنهض وهي لا تسير أصلاً؟ إنها ببساطة واقفة مكانها”، داعياً إلى ضخ دماء جديدة في منظومة التسيير والاستثمار، وإلى اعتماد مقاربة واقعية تعيد الثقة لشباب الجهة.
النائب الاتحادي لم يكتفِ بالتشخيص، بل وجه انتقادات حادة إلى المنظومة الاستثمارية بالمنطقة، معتبراً أن المناخ الاستثماري “مختنق”، وأن المراكز الجهوية للاستثمار لم تحقق ما كان مرجواً منها، رغم صدور القانون 47.18 الذي كان يُفترض أن يُحدث تحولاً في آليات دعم المقاولات.
وأضاف أعنان أن الملفات الاستثمارية “تتكدس والفرص تضيع”، في ظل ضعف التنسيق بين المتدخلين وتباطؤ معالجة الطلبات، ما يجعل المستثمرين يعزفون عن التوجه نحو الشرق، ويفضلون جهات أخرى أكثر دينامية.
في ختام مداخلته، وجه البرلماني رسالة واضحة إلى الحكومة ورئيس جهة الشرق على حد سواء، مفادها أن الجهة لم تعد تحتمل الانتظار فاستمرار الجمود يعني مزيدا من البطالة، ومزيداً من فقدان الثقة في المؤسسات المنتخبة، التي يفترض أن تكون قاطرة للتنمية لا عبئا إضافيا على مسارها.
إن قراءة الوضع الراهن لجهة الشرق تكشف بوضوح أزمة قيادة وحكامة قبل أن تكون أزمة موارد أو إمكانيات. فالصلاحيات القانونية والمالية موجودة، لكن غياب المبادرة، وضعف التواصل، وتردد رئيس الجهة في اتخاذ قرارات جريئة، كلها عوامل تجعل من موقعه أشبه بمقعد شرفي لا بموقع مسؤولية فعالة.
واليوم، أكثر من أي وقت مضى، تحتاج جهة الشرق إلى رؤية تنموية شجاعة تقطع مع منطق التسيير الروتيني، وتستثمر في الإنسان والمجال، حتى لا تبقى نموذجا للفرص الضائعة في مسار الجهوية المتقدمة.

