يحدث هذا في بلاد العالم الآخر…احتقان داخل مجتمع الطوارق ومخاوف من الانزلاق لمواجهات عرقية مفتوحة

يحدث هذا في بلاد العالم الآخر…احتقان داخل مجتمع الطوارق ومخاوف من الانزلاق لمواجهات عرقية مفتوحة

سليم الهواري

تشهد منطقة أزجر، الواقعة في أقصى الجنوب الشرقي للجزائر، والمتاخمة للحدود مع دول الساحل، حالة احتقان غير مسبوقة بعد تفجر الخلاف بين الزعيم التقليدي الحاج البكري غومة، ونظيره الطامح إلى الزعامة حسين بن كلالة، في نزاع يتجاوز طابعه القبلي المحلي إلى ما هو سياسي وإقليمي، بحكم الموقع الحساس للمنطقة المجاورة لحدود مالي والنيجر وليبيا، وهي فضاءات ملتهبة بالصراعات المسلحة والتحولات الجيوسياسية المتسارعة.

وتعود جذور الخلاف إلى مرحلة ما بعد وفاة الزعيم القبلي الراحل أمنوكال إبراهيم غومة، حين انتقل المنصب إلى نجله الحاج البكري غومة بدعم من كبار الأعيان وتزكية رسمية من السلطات الجزائرية، غير أن هذا الانتقال لم يُرض الجميع، إذ سرعان ما برز صوت المعارض حسين بن كلالة، الذي بدأ منذ سنة 2021 في الدفع باتجاه استعادة الشرعية التاريخية لآل كلالة، مستندا إلى إرث جده المقاوم إبراهيم أحد أبرز رموز المقاومة ضد التوسع الاستعماري الفرنسي في الصحراء.

وحسب متتبعين للأوضاع في الولايات الجنوبية لبلاد العالم الآخر – القابلة للانفجار في اية لحظة –، ان ظهور حسين بن كلالة، المعروف بتمرده على السلطة، في هذا الوقت بالذات، يأتي في ظل توسع شبكة علاقاته الممتدة خارج الحدود مع فروع الطوارق في جهة الساحل، بعدما استطاع تقديم نفسه بوصفه “البديل العصري” القادر على إعادة الاعتبار للهوية الطارقية وإخراج المنطقة من دائرة التهميش.

ويبقى السؤال المحير عن جدوى وقوف السلطات مع الزعيم الجديد حسين بن كلالة، بالرغم من ماضيه السياسي المتدبدب، وخطابه الحاد الذي تبنّى خطاب المظلومية والتحريض ضد التهميش، وتشير بعض القراءات إلى أن السلطات تخاطر بنفسها، من خلال” هي تحركات غير شرعية ومضللة” بدعمها لحسين بن كلالة الذي تربطه علاقات عابرة للحدود مع منظمات إرهابية تمتد إلى ليبيا والنيجر وتشاد.

ويحدث هذا بالرغم من توتر واضح بين الجزائر ومالي، وبعد سلسلة من المواقف المتبادلة حول قضايا أمنية وسياسية، أبرزها انسحاب باماكو من اتفاق الجزائر للسلام، وأزمة اسقاط الطائرة المالية من قبل الجيش الجزائري التي أضحت محط دعوى قضائية في محكمة العدل الدولية.

يذكر ان الحاج البكري غومة كان قد أصدر بيانا شديد اللهجة وصف فيه ما يجري بأنه “خروج عن الشرعية “، مشددا على أن اختيار الزعيم القبلي يخضع لتقاليد صارمة تقوم على التزكية الجماعية وليس المبايعات الفردية، حيث اتهم في لهجة مباشرة “جهات داخلية وخارجية” بالسعي إلى تفتيت وحدة الصف الطارقي وإعادة رسم الخريطة الاجتماعية للجنوب على أسس جديدة لا تراعي الأعراف المتوارثة، مؤكّدا أن وحدة إقليم أزجر خط أحمر لا يمكن تجاوزه، وهي التصريحات التي تحمل إشارات أن النظام الجزائري ليس من مصلحته وحدة مجتمع الطوارق.

ولحد الآن لم يصدر النظام الجزائري، أي موقف رسمي من إعلان بن كلالة نفسه “أمينا جديدا” وأزمة الزعامة بأزجر، وسط تجاهل للأبواق الإعلامية المأجورة، ما يعكس رغبة الدولة في إدارة الأزمة بصمت، كما فعلت في نزاعات سابقة في منطقة الهقار أو ولاية تمنراست، كما ان الجزائر تدرك أن الجنوب يشكّل أحد أكثر مناطقها هشاشة، بسبب المساحة الشاسعة وقربها من بؤر التوتر في الساحل.

 

 

 

 

 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *