استقلالية القضاة دستوريا تعني حمايتهم من التدخل السياسي او الإداري وليس عزلهم عن الحوار التشريعي 

استقلالية القضاة دستوريا تعني حمايتهم من التدخل السياسي او الإداري وليس عزلهم عن الحوار التشريعي 

سليمة فرجي 

المقاربة التشاركية المنصوص عليها في الفصل الاول من الدستور والفصل12 منه ليست مجرد خيار او موضوع تتناوله الندوات والموائد المستديرة بمخرجات عقيمة ، بل التزام دستوري يفرض على السلطات التشاور مع جميع الفاعلين المعنيين، بمن فيهم القضاة، عبر جمعياتهم المهنية المنصوص عليها في الفصل 111 من الدستور ، والمحامين عبر جمعيتهم ومختلف تنظيماتهم المهنية ومختلف الشرائح المعنية ، وبالتالي فان رفض الإشراك او استكثاره على القضاة في ورش تشريعي ضخم ومن اهم اليات اشتغالهم يتعارض مع روح الدستور ومنطق الإصلاح العميق للمنظومة القضائية.

علما ان الاستقلالية المقصودة دستوريًا تعني حماية القضاة من التدخل السياسي أو الإداري، وليس عزلهم عن الحوار التشريعي الذي يهمهم بشكل مباشر،علما ان الممارسات الدولية في هذا الشأن تعتمد المقاربة التشاركية في التشريعات القضائية اذ أصبحت ممارسة معتمدة في العديد من الدول الديمقراطية، حيث يتم إشراك القضاة، من خلال جمعياتهم المهنية، في إعداد مشاريع القوانين التي تؤثر على عملهم، لأنهم الأقدر على تقديم رؤى عملية حول مدى تأثير أي تعديل على سير العدالة مثلا في فرنسا مجلس الدولة والمحكمة العليا وجمعيات القضاة يقدمون آراء استشارية ملزمة للحكومة في إصلاح القوانين التي تخص القضاء.

في إسبانيا يشارك القضاة والمحامون عبر هيئات مستقلة في النقاشات التشريعية، ولا يتم تمرير أي إصلاح قضائي دون مشاورتهم.

في الولايات المتحدة تضغط الجمعيات القضائية على الكونغرس وتشارك في جلسات الاستماع حول أي تعديل في القوانين الإجرائية.

ولعل التبعات السياسية والقانونية المتمثلة في إقصاء القضاء او استبعادهم من المشاركة في إصلاح قانون المسطرة الجنائية يضعف مشروعية هذا الإصلاح، لأنه لم يأخذ بعين الاعتبار آراء الفاعلين الرئيسيين في المنظومة القضائية بل قد يؤدي إلى ظهور ثغرات قانونية ناتجة عن غياب التشاور مع أصحاب الاختصاص من قضاة ومحامين ، ناهيك انه يبعث برسالة سلبية حول التزام الحكومة بالمقاربة التشاركية التي نص عليها الدستور.

علما ان تجويد النصوص من اجل نجاعة قضائية وإصلاح عميق لمنظومة العدالة يقتضي الانفتاح على المهن القضائية من اجل سد الثغرات لان التشريع اب القضاء ولا يشخص مكامن الداء و عوار التشريع سوى الممارس الذي يفعل النص القانوني.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *