تركيا، إسبانيا وفرنسا.. العسكر والسياسة
عبد الحق هقة
تعيش فرنسا هذه الأيام على إيقاع جدل سياسي كبير نتيجة قيام جينيرالات في الجيش الفرنسي بتوجيه رسالة قوية ذات حمولة سياسية إلى الرئيس مانويل ماركون ، جدل رافقه الكثير من التساؤلات حول توقيت هذه الرسالة ومغزاها الحقيقي ؟؟
لقد عهدنا فقط في بعض دول الشرق الأوسط والعالم العربي (مصر، السودان ، جمهورية تندوف الكبرى ” الجزائر سابقا”) تدخل العسكر ليس في السياسة فقط بل في أمور إدارية بحتة لا علاقة لهم بها، لكن ما وقع في فرنسا وقبلها في كل من تركيا و إسبانيا حين قام ضباط في الجيش بتوجيه رسائل سياسية إلى كل من اردوغان و الملك فيليب السادس ، أزال ذلك الإستغراب الذي ظل عالقا بأذهاننا من أن أوروبا والدول المتقدمة تظهر وكأنها دول بلا جيوش ولا عسكر والسياسة فيها يصنعها المدنيون ويديرها السياسيون فقط ، وبالتالي فنحن أمام عودة المؤسسة العسكرية إلى الواجهة و بأدوار مختلفة في الدول الديمقراطية سواء في أوربا أو الولايات المتحدة حيث عرفت هذه الأخيرة جدلا قويا بين قيادة الجيش وإدارة البيت الأبيض إبان ولاية الرئيس دونالد ترامب ، وقد يتكرر نفس الجدل على عهد الرئيس بايدن الذي بلغت شعبيته أدنى المستويات.
تنص معظم الوثائق الدستورية على أن الجيش مكلف بالدفاع عن وحدة البلاد وسلامة ترابها وسيادتها، ولا تذكر أي من هذه الوثائق الدستورية أي دور للمؤسسة العسكرية في الحياة السياسة العامة وإدارة شؤون البلاد ، كما أن التحفظ و الانضباط العسكري يشكل ركيزة ثابتة من ركائز الجيوش، وهو بالنسبة إليها بمنزلة الروح للجسد. فلا يمكن أن يؤسس جيش مهما كبر حجمه أو صغر، من دون أن يكون الانضباط والتحفظ قاعدة من قواعده وبندا في عقيدته، وسلوكا واضحا في مختلف نشاطاته. فما الذي يدفع الجنرالات وفي دول تصف نفسها بالديقراطية لدخول معترك الحياة السياسية وترك ثكناتهم العسكرية ووظيفتهم الرئيسية في حماية حدود البلاد وسلامة أراضيه؟
فهل هو دخول بمبرر التخوف من فراغ سياسي يهدد كيانات الدول ؟ أم أن الأمر يتعلق بموجة ” عسكرية ” جديدة تقف وراءها حركة عالمية “خفية” تخطط لشرعنة الحكم العسكري و فرض أنظمة عسكرية أو مدنية بخلفية عسكرية ؟؟؟؟