“لوموند” الفرنسية تسخر من الجزائر: “ما زالوا يصورون مسؤولين وهم يكتشفون بطاقات الائتمان”، اسكيتش كوميدي وتخلف كبير في مجال المدفوعات الإلكترونية

عبدالقادر كتـــرة
“كان يمكن لهذا المشهد أن يُعتبر “اسكتشًا كوميديًّا” من النوع الذي تحبه القنوات التلفزيونية الجزائرية في رمضان: مُصورًا عضو مجلس الشيوخ برفقة والي مُفوَّض (ما يعادل نائب محافظ)، وهو يدفع ببطاقته المصرفية ثمن مشترياته في متجر ألبان ببلدة باريقة، تحت أنظار مرافقيه المندهشين والمبتسمين.
نُشر المقطع الخميس 6 مارس عبر موقع “لا باتري نيوز” المقرّب من النظام، بغرض إبراز “تقدُّم” في مجال التحول الرقمي للمدفوعات”. هكذا علقت بسخرية جريدة “لوموند” الفرنسية على المشهد المضحكة لدولة تعتبر نفسها “قوة ضاربة” و”قوة إقليمية” و”ثالث اقتصاد عالمي” و”الدولة الأولى والأذكى والأفضل والأحسن والأسرع والأقوى والأجمل….”، ثم تضيف الجريدة الفرنسية العالمية “لكن ما لفت الانتباه هو سمة التناقض والعبثية في المشهد”.
علّق أحد المستخدمين على فيسبوك بسخرية: “في وقت يعتمد فيه العالم على الدفع بالهاتف، ما زلنا نصور مسؤولين يفاخرون باستخدام البطاقة المصرفية كأنها تقنية الجيل الخامس!”. لكن المشهد يعكس في الواقع تأخر الجزائر الكبير في مجال المدفوعات الإلكترونية.
وأشار صحفي الجرردة كاتب المقال إلى أن شهر الصوم يشهد ذروة الاستهلاك، ما يؤدي إلى طوابير طويلة أمام أجهزة الصراف الآلي الخاوية غالبًا، وفروع البنوك التي تُغلق أبوابها الساعة 15:30.
وفق بيانات نشرتها “المجموعة الاقتصادية ذات المصلحة في مجال المونيتيك” (2023)، تُستخدم البطاقات المصرفية في 90٪ من الحالات لسحب النقود، بينما تُخصص معظم المعاملات المتبقية لشحن الرصيد الهاتفي، أما الدفع المباشر في المتاجر أو عبر الإنترنت، فلا يزال هامشيًّا.
وأشار المقال إلى أن الجزائر تأخرت في تبني التقنية بسبب الحرب الأهلية التي أعقبت إيقاف الانتخابات عام 1992، مذكرات بأن الهاتف المحمول، الذي كان ممنوعًا تقريبًا خلال “العشرية السوداء” (1991-2002)، لم ينتشر إلا عام 2003. وحتى تقنية “3G” لم تصل إلا نهاية 2013. ورغم ازدياد استخدام البطاقات والدفع الإلكتروني خلال جائحة كوفيد-19 (2020)، إلا أن الوضع لا يزال متأخرًا.
تشير الحكومة إلى نمو المدفوعات الرقمية بنسبة 57٪ بين 2023 و2024، حسب جريدة “لوموند”، لكن دراسة لمعهد العلوم الاقتصادية بالجزائر (2024) تُظهر أن 3٪ فقط من المتاجر مجهزة بأجهزة دفع إلكترونية (53,191 جهازًا). وتُعزى المعوقات إلى ضعف نسبة الإدماج المالي، وكلفة تركيب الأجهزة، والإطار القانوني غير المستقر.
تحاول الحكومة تعويض التأخر عبر رفع نسبة المدفوعات الرقمية في الضرائب، كالخدمة الجديدة لشراء “الڤينيت” السياري عبر منصة إلكترونية دون الحاجة إلى المرور بالإدارات، تضيف الجريدة، لكن الخيار التقليدي (الدفع نقدًا في البريد أو المراكز الضريبية) ما زال متاحًا، نظرًا لاستمرار ارتياب الجزائريين.
يوضح تاجر في وسط العاصمة: “رَكَّبْتُ جهاز دفع إلكتروني لأنهم قالوا إنه إجباري، لكن نادرًا ما يُستخدم. حتى أنا أفضل النقود، فهي آمنة أكثر”. ويضيف صاحب مطعم قرب “ساحة موريس أودان”: “حين يزول خوف الناس من اختفاء أموالهم بسبب عطل تقني، سنتحدث عن التحول الرقمي. أما الآن، فالنقود هي السائدة… وهذا أفضل!”.