تَلَفُ زليج قصر المشور بتلمسان الجزائري وتشويهه بالإسمنت في غياب صناع تقليديين لترميمه (فيديو)

تَلَفُ زليج قصر المشور بتلمسان الجزائري وتشويهه بالإسمنت في غياب صناع تقليديين لترميمه (فيديو)

عبدالقادر كتــرة

عجزت السلطات الجزائرية عن ترميم زليج بعض أركان قصر المشور  بتلمسان، بعد أن تساقطت واندثرت وتمّ إتلافها، ولم تجد من حلّ إلا تعويض مكانها بملئها بالإسمنت الرمادي في صورة بشعة ومقززة تنمّ عن الجهل والجهالة لقيمة الموروث الثقافي، وذلك في غياب صانع تقليدي واحد  في الجزائر،  يُرمّم ما ضاع  وأصاب التلف هذا التراث المعماري  التاريخي العظيم الذي يؤرخ لحقبة من الزمان الجميل، من  إبداع الصناع التقليديين المغاربة في المعمار الفني الرائع، لكن يقول المثل المغربي ” هل الحمار يشمّ القرفة؟”…

وكان هذا  أول امتحان رسب فيه لصوص التراث والتاريخ الذين لم ييأسوا من عمليات السطو على ما ليس لهم من أجل صنع وصناعة هوية وتاريخ وتراث، في الوقت الذي كذبتهم شواهد الامتحان عبر عجزهم عن ترميم بعض المساحات الصغيرة والبسيطة التي تهالكت وتساقطت واندثرت وضاعت، لأنه وبكل بساطة ” الجاهل والجهل فاقد الشيء لا يعطيه” وّفاقد الشيء عِلْميّاً لا يعطيه عَمَلِيّاً”…، وهذا يبرهن بما لا داعي للشّكّ أصل المتأصّل وعليه اللجوء إلى الأصل أين مئات الورشات وآلاف الصناع التقليديين المغاربة المبدعين البارعين الفنانين الماهرين و”الرجوع إلى الأصل أصلٌ” وهو ما تفطن له الرئيس الجزائري الوجدي الراحل عبدالعزيز بوتفليقة…

هذا النظام العسكري الجزائري الذي لم يتوقف عن ادعائه   بتوفر الجزائر على ثورة وثروة تاريخية وإرث تراثي ومآثر تاريخية تؤثث “حظائرها” (بالظاء) و”حضائرها” (بالضاد)  و”حضارتها”، رغم أنها تعلم علم اليقين أن لا يدَ لها في ما وجدته الآن من تراث وآثار،  بل لم تكن الجزائر بلدا قائما بذاته ولا أُمّة صنعت تاريخا لها ولا اسما تُدعى به، لم تكن أبدا كما تريد أن تُقدمه لمن يجهل التاريخ، بل كانت “الجزائر” اسم مدينة إيالة  فقط (العاصمة حاليا) تحت حُكم  العثمانيين يحكمها “الإخوان بارباروس” لأكثر من 400 سنة، بعد قرون تحت سلطة سلاطين الإمبراطورية المغربية، قبل بيعها للإمبراطورية الفرنسية التي صنعتها وظلّت مقاطعة فرنسية لمدة 132 سنة، ومنحتها الاستقلال بعد استفتاء لتقرير المصير….

وعرفت “الجزائر” قديما باسم “نوميديا”  تحت حكم النوميديين والفينيقيين والبونيقيين والرومان فالوندال ثم البيزنطيين. وبعد الفتح الإسلامي شهدت مناطق منها سيطرة كل من الأمويين والعباسيين والأدارسة والأغالبة والرستميين، والفاطميين، والزيريين والحماديين، والمرابطين والموحدين والحفصيين فالعثمانيين.

لم يعرف هذا البلد تاريخا خاصا به وهوية مميزة له اللهم هوية شعب الأمازيغ الذي يعمل النظام العسكري على محو هويته وطمسها، كما يذكر أن أول رئيس للجزائر  بعد الاستقلال  من الاستعمار الفرنسي هو أحمد بنبلة الوجدي المغربي الأصل ثم بوخروبة الملقب ب”هواري بومدين”  ووزيره الوجدي الرئيس المخلوع الراحل “عبدالعزيز بوتفليقة” (ولم تجرؤ رئاسة الجزائر ذكر اسم مسقط رأسه  مدينة “وجدة” المغربية)  وتلاه من المسؤولين عدد كبير من أصل مغربي من بينهم جماعة وجدة التي كانت تأويها  المدينة الألفية  المكافحة والتي انطلقت منها  ثورة التحرير الجزائرية من بينهم آلاف من الثوار المغاربة.

بصم السلاطين الإمبراطورية المغربية مناطق حكمهم بالتراث على تنوعه  والمعمار بفنونه مثل الزليج المغربي، الذي يعدُّ تحفة فنية خالدة، وعرف منذ القدم بأصالته ودقة تصميمه، وهذا يُجسِّدُ جودة الصنعة والصانع التقليدي المغربي الذي أبدع منذ عقود في تجديد شكل الزواقة التقليدية وعصرنتها، وألوانها الأكثر من رائعة، إذ أصبح التوافد على فن الزليج  الحر في العمارة والذي هو  فنٌّ و إبداع لا ينضب معينه،  ملحوظا في الآونة الأخيرة نظرا لحب كل ما هو تقليدي وجميل في الصناعة التقليدية المغربية.”

وصناعة الزليج  حرفة مغربية تجمع بين التراث وجمالية المكان يمارسها آلاف الصناع المغاربة الذين توارثوها أبا عن جدّ منذ قرون، ويتفننون ويبدعون فيها ويتقنونها إتقان الفنان التشكيل  وأكثر، يشتغلون في  مئات الورشات ولا ينافسهم في ذلك أضخم وأعتى الشركات العالمية  المسلحة بآخر صيحات التكنولوجيا.

وكلمة زَليج صفةٌ تدلّ على الثبوت من زلِجَ، أي هي مرتبطة بالزلق، وهذا إشارة إلى طابع الزليج المرصوف الصقيل، ومن كلمة زليج تشتق كلمة أزوليجو (azulejo) في اللغتين البرتغالية والإسبانية وهي تشير إلى فن فخاري كذلك ولكنه يختلف عن الزليج الإسلامي ولو اشتق منه.

والتاريخ العادل والذي له لسان لا يكذب يشهد : “بقايا زليج على جدار في مسجد بموقع شالة في الرباط بني إبان حكم أبو يوسف يعقوب بن عبد الحق المريني واكتمل 1284″، وجزء من الزليج من تلمسان التي كانت تحت حكم الإمبراطورية المغربية قبل ميلاد الجزائر ( بمرسوم الاستعمار الفرنسي) يعود تاريخه إلى القرن الرابع عشر متحف اللوفر.”

وتطور فن الزليج في بلاد المغرب والأندلس في العصور الوسطى وخصوصاً منذ القرن الحادي عشر، وازدهر خلال حكم بني نصر وبني مرين عندما مع إدراج الألوان الأزرق والأخضر والأصفر، أدرج اللون الأحمر في القرن السابع عشر.

وتعد، حسب تاريخ الصناعة من “ويكيبيديا”،  صناعة الزليج من الأشكال الفنية الأكثر تعبيراً عن أصالة المعمار المغربي لكونه يعتمد على مواد أولية بسيطة وآليات بدائية وبالأساس مهارة وإبداع الصانع لتدخل في الهندسة المعمارية للقصور والمعالم التاريخية. فالزليج هو منتج ذو خصوصية يجمع بين مكوناته الأولية المتواضعة ومهارة الصانع المغربي الذي يحترف هذه المهنة. فالأمر يتعلق بمربعات من الطين المجفف بطول 10 x 10 cm طليت بطلاء لمّاع وقصّت ونحتت بلطف يدوياً بواسطة مطرقة حديدية مخصصة لهذا الغرض تسمى “المنقاش” لتجزأ هذه المربعات إلى قطع صغيرة تسمى “الفرم“.

هذه الأخيرة تؤلف فيما بينها نسقاً يستجيب للقواعد لرسوم وخطاطات مطابقة للأصول وتحترم كل قواعد الهندسة للفن الإسلامي. إن هذه الأنساق ليست فسيفساء بل قطع موضوعة من الزليج جمعت فيما بينها بتنسيق لتمنح بتعدد ألوانها وأشكالها منظراً أخاذاً يسلب الألباب على الجدران التي تغطيها والأدراج التي تشكلها والبوابات التي تكسوها. وأرصفة وبلاطات المساجد والقصور والإقامات الفخمة.”

هذه الحرفة تنتقل من الأب إلى الابن، من المعلم إلى التلميذ داخل ورشات العمل العائلية حيث أن التعلم يبدأ من الصغر، فالمبتدئ يتدرج في تنفيذ المهام الأكثر سهولة وهو يتابع ويلاحظ ما يصنع حوله ثم ينتقل تدريجياً إلى كل مراحل الصناعة من الأقل أهمية إلى التي لها قيمة عالية قبل أن يصبح معلماً خبيراً بالصنعة ومرجعاً لها.

“تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية” سنة 2011، لكون هذه المدينة من الحواضر الإسلامية العريقة، فهي عاصمة الزيانيين، وهي مهوى أفئدة العلماء والمرابطين والأولياء الصالحين. ومن المعالم الأثرية التي تقف إلى اليوم شاهدة على عراقة تلمسان “قلعة المشور” التي تتوسّط المدينة، ولا يستطيع زائرو عاصمة الزيانيين تجاهلها، أو إتمام الزيارة من دون التجوُّل داخل هذه القلعة الضخمة.

وأجمعت المصادر التاريخية، على أنّ هذه القلعة أسّسها المرابطون على عهد يوسف بن تاشفين، خلال الحصار الذي ضربوه على مدينة أغادير من أجل السيطرة عليها، وذلك في القرن الحادي عشر للميلاد. وبحسب بعض المؤرخين، فإنّ كلمة “المشور” تعني المكان الذي يعقد فيه السلطان أمير المسلمين اجتماعاته مع وزرائه وكتّابه وضُبّاطه لمناقشة شؤون الدولة، والتشاور في أمور الرعية وقت السلم ووقت الحرب.

وتضمُّ القلعةُ قصرَ المشور، وهو القصر الوحيد المتبقّي من أربعة قصور كانت تشكّل فيما مضى قلعة المشور، وهي “دار الملك” و”دار أبي فهر” و”دار السرور” و”دار الراحة“.

في سنة 2003، زار الرئيس الراحل  عبدالعزيز بوتفليقة مدينة تلمسان و”قصر المشور” ووقف على تردي حالته ووضعيته بسبب الإهمال، فأعطى لأوامره، بصريح العبارة، بالعمل على ترميمه بمساعدة الإسبانيين الذين يتوفرون على تراث أندلسي والمغاربة الذي لهم تراث بالقصر مهم جدا، وطلب بإجراء أبحاث في إسبانيا وفي المغرب لإيجاد حلول لترميم ما أصابه التلف، وهو القصر الذي يعدّ نسخة طبق الأصل ل”قصر الحمراء” بغرناطة بالأندلس من خلال قاعته الملكية وزليجه القراطي

وعند زيارته للمتحف   لاحظ أن  المنتوجات المعروضة من ألبسة وزرابي وآلة للنسج وغيرها لا تحمل بصمة التلمسانيين وتاريخهم، وسأل السيدة مديرة المتحف للفنون والتقاليد،  عن مصدر هذه المعروضات فأكدت له أنها تراث تلمسان التاريخي فأجابها “لا .لا . لا يُمِتُّ هذا بأي صلة للتراث التلمساني..”.

قصر المشور في تلمسان بناه يوسف بن تاشفين ورممه المغاربة بطلب من بوتفليقة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *