زلزال يضرب النظام العسكري الجزائري بعد رفض القاهرة حضور تبون قمة “شرم الشيخ” حول غزة وفشل توسلات وضغوط جزائرية
عبدالقادر كتــرة
تشير التقارير إلى أن الجزائر،ممثلة بالرئيس عبد المجيد تبون، كانت تضغط بشكل مكثف للحصول على دعوة لحضور القمة الدولية المزمع عقدها في شرم الشيخ بشأن أزمة غزة. وقد قابلت مصر هذه الضغوط برسالة واضحة مفادها أن “الأمور معقدة”، وهو تعبير دبلوماسي يشير إلى وجود عقبات قد تكون مرتبطة بمواقف أطراف دولية أخرى أو بتحفظات من بعض الأطراف الإقليمية تجاه الدور الجزائري.
هذا الرفض أو التردد في تلبية الطلب الجزائري تسبب في حالة من “الغضب والصدمة” داخل دوائر صنع القرار في الجزائر، والتي كانت ترى في هذه القمة منصة استراتيجية لإعادة إبراز دورها الإقليمي.
سعي محموم للنظام العسكري الجزائري الاستبدادي الديكتاتوري الجاثم على صدور الشعب الجزائري المقهور لتعويض الشرعية الإقليمية حيث يمثل هذا الموقف نموذجًا واضحًا لأزمة الدور الإقليمي الذي تسعى الجزائر له.
فبعد سنوات من السياسية الانعزالية النسبية، تحاول الدبلوماسية الجزائرية الحالية، تحت قيادة تبون، تقديم نفسها كفاعل رئيسي و”مدافع عن القضايا العادلة” مثل القضية الفلسطينية. إقصاؤها عن قمة بهذا الحجم يشكل ضربة لهذا التصور الذاتي ويعري الفجوة بين الطموح والقدرة الفعلية على التأثير.
والإقصاء الذي تتحدث عنه التقارير من قبل الولايات المتحدة (وبشكل غير مباشر قطر عبر التأثير على الوساطة) ليس حدثًا عابرًا، بل هو انعكاس لعدة عوامل أهمها وأوله المواقف المتصلبة للنظام الجزائري المارق حيثة تُنظر إلى المواقف الجزائرية في بعض الملفات، بما في ذلك رفض أي تسوية تطبيع مع إسرائيل دون ضمانات كاملة للفلسطينيين، على أنها غير قابلة للتفاوض وقد لا تتماشى مع التوجهات العملية للوساطة الحالية التي تقودها أمريكا ومصر وقطر.
الجزائر تقف في خندق معادٍ لمحور الاعتدال (الذي تضم مصر والإمارات بشكل أساسي) وتقترب من محور تركيا وقطر (على الرغم من أن قطر هنا لعبت دورًا في إقصائها، مما يدل على تعقيد التحالفات).
هذا الموقع يجعلها طرفًا “غير مرغوب فيه” في ترتيبات قد تسعى للحصول على توافق أوسع.
الأطراف الوسيطة الرئيسية (مصر وأمريكا) ترى أن الجزائر لا يمكن لها، بأي حاى من الأحوال، أن تلعب دورًا بناءً أو محايدًا في هذه المرحلة الدقيقة، بل قد تعتبر حضورها مصدرًا للمشاكل أو تعقيدًا للتفاوض.
رغم كل ما سبق، يصر النظام العسكري الجزائري المارق والخبيث والمنافق والجبان على التدخل رغم الإقصاء.
التمسك بالتدخل الجزائري في العملية الفلسطينية، رغم العوائق، يعود إلى أسباب داخلية وخارجية عميقة مهمة حيوية ووجودية.
النظام العسكري-السياسي في الجزائر يمر بأزمة شرعية عميقة منذ حراك 2019 وتردي الأوضاع الاقتصادية. “القضية الفلسطينية” هي أحد ركائز الخطاب الرسمي التاريخية التي يستمد منها النظام شرعيته الثورية وتضامنه الشعبي.
الظهور كمدافع عن فلسطين هو وسيلة لتلميع الصورة الداخلية وتحويل أنظار الشارع عن المشاكل الداخلية.
من جهة أخرى، هناك رغبة جزائرية قديمة في منافسة مصر على زعامة العالم العربي وأفريقيا. محاولة لعب دور في ملف مصيري مثل فلسطين هو محاولة لانتزاع شرعية هذه الزعامة من القاهرة، أو على الأقل إثبات أن الجزائر لا يمكن تجاوزها.
بغض النظر عن المناورات السياسية، فإن الدستور والخطاب الرسمي الجزائري يكرسان دعم القضية الفلسطينية كخيار استراتيجي، والتراجع عن هذا الموقف سيكون تكلفته السياسية داخلية كبيرة ويفقد النظام أحد أهم مبررات وجوده في نظر قطاع من الشعب.
الإصرار قد يكون أيضًا رد فعل على الإقصاء نفسه. فكلما شعرت الجزائر بأنها مستبعدة، زادت من حدة خطابها وضغطها لإثبات وجودها، في حلقة مفرغة تؤدي إلى مزيد من العزلة.
ما يحدث هو أكثر من مجرد خلاف دبلوماسي عابر.
إنه كاشف لتحولات عميقة في موازين القوى الإقليمية، حيث تحاول الجزائر العودة إلى الواجهة بقوة لكنها تصطدم بجدار من التحالفات والإرث السياسي الذي يحد من حركتها.
وإصرار النظام على التدخل هو محاولة يائسة للحفاظ على شرعيته الداخلية ودوره الإقليمي في وقت تتراجع فيه أدواته الفعلية للتأثير، مما يجعله يراهن على ورقة الفلسطينية رغم معرفته بأن اللعبة الدولية محسومة لصالح أطراف أخرى، مما ينتج عنه مشاهد من “الغضب” و”الصدمة” كلما تم تذكيره بحدود قوته الحقيقية.

