الله الوطن الملك

أبو عصام الفكيكي
ينص الفصل 4 من دستور 2011 الذي صوت لصالحه المغاربة على أن شعار المملكة هو : الله، الوطن، الملك.
فالله في الشعار يقصد به بالدرجة الأولى الدين الإسلامي، ومن ثم الحسم نهائيا في موضوع الدين بصفة قطعية ، فالمغاربة واثقون بأن الدين شيئ حقيقي وأن الإسلام هو الإختيار الأنسب والسوي والصحيح، ومن ثم يمكننا أن نقول بأن الدين الإسلامي له تأثير قوي في حياة المواطن المغربي. فالعديد من النصوص التشريعية والتنظيمية السارية المفعول حاليا تجد منبعها من الدين الإسلامي. فالإرث، والزواج، والشهادة، والعلاقة بين الرجل والمرأة، والأعياد، كلها محكمة بقواعد منبعها الدين الإسلامي وتنم عن وجود تأثير عميق في الحياة الإجتماعية والسياسية المغربية.
أما مصطلح الوطن بالنسبة للمغاربة فهو مصدر فخر و اعتزاز بتاريخه العريق وإنجازاته الخالدة كما أنه بمثابة الروح التي يحملها المغاربة على أكتافهم في سبيل تحصينه ضد كيد الكائدين وضد دسائس المتآمرين خصوم وحدتهم الترابية .
أما الملك فهو أمير المؤمنين وسبط الرسول الأمين وحامي حمى الملة والدين ورمز الأمة ، و يعد في النظام المغربي وفي الفكر القانوني المغربي مؤسسة قائمة بذاتها، لها وجود معترف به دينيا وتاريخيا ثم دستوريا.، فشخص الملك غير مقدس لكنه يتمتع بالإحترام والتوقير وهو خط أحمر بالنسبة للمغاربة ، وأي إهانة تطال شخص الملك فهي إهانة للأمة المغربية ، لذلك فمن يريد تصفية حساباته الشخصية والسياسوية فليفعل ذلك بعيدا عن رمز الأمة المغربية .
إن الملكية بالنسبة للأمة المغربية التي لم تعرف نظاما غيرها منذ نشأتها هي نواة النسق السياسي وعصبه والفاعل الرئيسي، وهنا يحضرنا ما أكد عليه المغفور له الملك الحسن الثاني حينما توجه إلى زعماء وشعوب العالم الإسلامي بمناسبة حلول القرن الرابع عشر للهجرة، حيث قال رحمة الله عليه :” إن من سنن الله في خلقه ورحمته أن بعث فيهم سيدنا محمدا صلوات الله عليه برسالة إلاهية هي خاتمة الرسالات تهديهم إلى محجة الصواب…، واقتضت حكمته أن يضع على عاتق خلفاء المسلمين وأمرائهم أمانة خلافته في الأرض …، وقد امتاز المغرب الإسلامي بتعاقب ملوك بررة جعلوا الحفاظ على الإسلام والدفاع عنه مهمته الأولى..، ومن بينهم ملوك شرفاء من آل البيت، في طليعتها أسلافنا الملوك العلويين المنعمين في دار الإسلام…”.
إن من لم يتعامل مع تاريخه يبقى تائها في تاريخ الآخرين، وبالتالي يضيع هويته وخصوصيته ، و أمجاد الدولة العلوية المتواصلة تعتبر رمز الاستمرارية وركيزة و نهضة المغرب التي ترسخت في زمن تاريخي هام في تاريخ الأمم، عمره 12 قرنا ، من الاستقرار والبناء ومواجهة الأطماع الداخلية والخارجية.
لكل هذا، فإن كل إساءة لثوابت المغاربة التي نص عليها الدستور فإنها تقع تحت طائلة المتابعة القضائية، وهنا لا بد من الإشادة بالمتابعة التي سطرتها السلطات القضائية التي تتحرك لتصحيح الإنحرافات ، في حق ناشطة على مواقع التواصل الإجتماعي في قضية تتعلق بالإساءة علنا للدين الإسلامي ، وهي متابعة يجب أن تطال كل من يحذو حذوها و كل من يمس بالشعار الخالد للمغاربة وبدون إستثناء .
للأسف الشديد يحاول البعض خاسرا وفاشلا في تمرير أفكار ومعتقدات إلى مجتمع المملكة الشريفة مستندا في ذلك إلى مفاهيم غريبة وفق أجندات غير معلنة ومخططات خفية تغلف اهدافها تارة بشعار حرية الرأي والتعبير وتارة أخرى بشعار الإصلاح وتارة ثالثة بشعار حقوق الانسان ؟؟!!
نعلم ان هذا الزمن أصبح زمنا خصبا أكثر من سابقه لزرع الفتن واطلاق الافكار المضللة ونشر الشعارات الجذابة من اجل التأثير في عقول عدد من الاشخاص البسطاء ليس في مجتمعنا فقط بل في سائر بلاد ومجتمعات العالم وذلك لالشيء سوى تحقيق أهداف خاصة .
ان تاريخ البشرية وخاصة التاريخ الاسلامي الذي نحن أولى بمن يتدبر به من غيرنا ويتمعن في كل سيرته عبر أجياله المتعاقبة انما هو تاريخ مليء بالعبر وبالمواقف التي تؤكد لنا ان آفة المجتمعات الإسلامية السالفة التي أهلكتها وشتتت أبناءها وفرقت أسرها وقضت على مكتسباتها انما تمثلت في الفتن والأفكار الهدامة ( تشجيع الشذوذ الجنسي و العلاقات الرضائية .. ) التي افنت أمما كثيرة في كل بقاع العالم ، هذه الفتن لم تدرك ابعاد خطورتها الا بعد فوات الاوان وبعد ان قضت على الكثير من المجتمعات والدول وعلى الكثيرمن المكتسبات الاجتماعية المختلفة.. تلك الفتن التي استطاع اعداء تلك المجتمعات من غرسها ونشرها بنجاح تام بين أبنائها.
ونحن في هذا العصر عصر العلم وعصر الوعي وعصر الثقافة وعصر التطور العلمي والتقني علينا ان نستفيد من عبر تلك الفتن وان نتعظ مما حل بالعديد من المجتمعات الإسلامية التي سطرتها لنا كتب التاريخ في كل صفحة من صفحاتها وان نستفيد مما وهبه لنا الله من نعمة الأمن الإستقرار وان نكون على درجة كبيرة من الوعي وان نقطع دابر بوادر اي محاولة في مهدها من اي كائن كان لإثارة الفتنة والتفرقة بين مجتمعنا.. وذلك لن يتحقق إلا بمواصلة الوحدة والترابط الذي تتميز به هذه البلاد ولله الحمد تحت القيادة الرشيدة للملك محمد السادس .. والمحافظة عليها لانها ترابط بني بين العرش والشعب على أسس إسلامية خالصة متوارثة (البيعة) لا تشوبها شائبة ولله الحمد..
و خير ما نختم به مقالنا هو ما صرح به الملك محمد السادس في حوار سابق مع صحيفة “إيل باييس” الإسبانية حيث قال جلالته ” المغرب ليس بلدا علمانيا. إنه ملكية، الإسلام فيها هو دين الدولة. فليس هناك ما يدعو إلى الاستغراب، لأن مجموع الأحزاب السياسية، وليس واحدا منها فقط، يرتكز على هذه المرجعية، حتى ولو كان البعض منها يرتكز عليها بشكل أكثر بروزا من الباقي. فعلى امتداد القرون، تطور في المغرب إسلام متسامح يقوم على الانفتاح واحترام الآخر. وهذا الإسلام حاضر في حياتنا اليومية. وبموجب السلطات التي يخولها لي الدستور، فإنني أسهر على استمراره. كما أسهر على الحريات العامة التي أعتبر الضامن لها، حتى يكون المجال السياسي مفتوحا على كل الحساسيات السياسية، ما دامت تحترم بدقة القواعد الديمقراطية المعمول بها وثوابت البلاد.”