بعد اعتقال موظف قنصلي جزائري في فرنسا، الجزائر تعتزم الرد بالمثل بطرد ديبلوماسيين فرنسيين

عبدالقادر كتـــرة
ذكر وزير الداخلية الفرنسي “برونو ريتايو” أنه “ربما” وجود “عمل تدخل أجنبي” في قضية المعارض الجزائري أمير بروخرص الملقب ب “أمير دز”، لكنه أكد خلال زيارة ميدانية يوم السبت الماضي، تفضيله ترك الأمر للقضاء لتحديد الحقيقة.
ورغم هذه التصريحات الحذرة، تعتقد السلطات الجزائرية ونخبة الحكم أن القضية “مؤامرة دبرها “ريتايو” لتفكيك المصالحة الجزائرية-الفرنسية التي يقودها الرئيسان الجزائري والفرنسي “عبد المجيد تبون” و”إيمانويل ماكرون”.
وردًا على سجن موظف قنصلي جزائري في قنصلية الجزائر ب”كريتاي” (ضواحي باريس)، حذرت السلطات الجزائرية السفير الفرنسي في الجزائر، “ستيفان روماتيه”، من نيتها إرسال قائمة قريبًا بأسماء دبلوماسيين فرنسيين في الجزائر يجب عليهم المغادرة فورًا.
وجرى ذلك بعد اتهام الموظف القنصلي بالضلوع في اختطاف المدون والناشط الإلكتروني “أمير دز” قبل عام.
وقد تم تقديم ثلاثة مشتبه بهم (بينهم الموظف القنصلي) للقضاء في 12 أبريل الجاري، من قبل النيابة الوطنية لمكافحة الإرهاب (PNAT) ووُضعوا رهن الاحتجاز المؤقت.
ووصف محامي الضحية “أمير بوخورص”، “إيريك بلوفيه”، افتتاح التحقيق بأنه “كشف عن جرأة دولة أجنبية في تنفيذ أعمال عنف على الأراضي الفرنسية عبر الترهيب، مما يهدد الأمن الوطني”.
وأثارت هذه الإجراءات القضائية (التي تشمل موظفًا جزائريًّا هاربًا إلى الجزائر وآخر محتجزًا في فرنسا) غضبًا شديدًا لدى السلطات الجزائرية.
وتُظهر الجزائر حساسية عالية تجاه اتهام موظفين رسميين بالانخراط في أعمال إرهابية على الأراضي الفرنسية، خاصة في ظل العلاقات المتوترة تاريخيًّا بين البلدين.
التهديد بطرد الدبلوماسيين الفرنسيين يُعد إشارة واضحة على رفض أي مساس بالسيادة أو اتهامات تلطخ سمعة مؤسساتها الرسمية.
ويُعتبر خطوة دبلوماسية تقليدية لكنها قوية، تعكس استياء الجزائر من تعامل فرنسا مع القضية، وتُحمل باريس مسؤولية “تسييس القضاء”.
وتدعي الجزائر أن الإجراءات الفرنسية “مؤامرة” لضرب جهود المصالحة بين البلدين، التي روج لها الرئيس تبون وماكرون خلال السنوات الأخيرة. هذا يشير إلى هشاشة الثقة بين الجانبين رغم الخطابات الرسمية عن الشراكة.
من جهتها تؤكد فرنسا التزامها باستقلالية القضاء، لكن تصريحات وزير الداخلية عن “تدخل أجنبي” تُظهر شكوكًا رسمية تجاه دور الجزائر، مما يعمق الفجوة.
واتهام موظف قنصلي (يتمتع بحصانة محدودة) بأعمال إرهابية يثير إشكالات حول توازن الحصانات الدبلوماسية مقابل مكافحة الإرهاب، وقد تُستخدم هذه القضية سابقةً قانونيةً في صراعات مماثلة مستقبلًا.
ربط القضية بـ”مشروع إرهابي” يمنحها بُعدًا أمنيًّا دوليًّا، لكن الجزائر ترى فيها استهدافًا سياسيًّا مُتعمَّدًا، مما يزيد التوتر الشعبي.
ومن جهة أخرى، طرد الدبلوماسيين قد يُعقّد عمل البعثات الفرنسية في الجزائر، خاصة في مجالات الأمن والاقتصاد الحيوية لكلا البلدين.
وخلاصة القول، القضية تعكس تصادمًا بين سرديتين: جزائرية تُركز على “الكرامة الوطنية” ورفض التدخل، وفرنسية تُصر على سيادة القانون واستقلال القضاء.
وقد تؤدي هذه الأزمة إلى تجميد التقدم الذي أُحرز في المصالحة الثنائية، لا سيما مع تصاعد الخطابات الوطنيةفي كلا البلدين.