الدراجات النارية و حوادث السير بالمدن المغربية : وجدة نموذجا
الدكتور محمد بنيعيش
1) من المؤسف والمؤلم أن تجد شبه يومي وعبر جل المحاور من المدينة الحضرية ،وخاصة بوجدة ، شرق المغرب ، حوادث سير في وضح النهار، مروعة ومفزعة ومقلقة . ومن الملفت للنظر والاستقراء والملاحظة أن جل وغالبية تلك الحوادث قد تكون إما بين راجلين ودراجات نارية ، أو دراجات نارية وأخرى من وزنها ، أو بين دراجة نارية وسيارة ،في الغالب قد تكون سيارات أجرة ،وفي بعض الأحيان بين دراجات نارية وشاحنات ، أحيانا أخرى بين دراجات نارية ومزلجات (،سكوتر،تروتينت، trotinette ) وهذه هي أسوأ وأكبر من أختها .كما أن أغلب الحوادث التي تقع لمرتدي الدراجات النارية تكون من بعض الذين يوصلون فطيرة “البتزا Pizza ” إلى أصحابها، حيث يتطلب الأمر السرعة والاستعجال قبل أن تبرد حرارتها. ولهذا نبهني أحد راكبي سيارة طاكسي ونحن متوجهون نحو حي أكدال ، وبعدما شاهدنا جميعا حادثة سير كان بطلها راكب دراجة نارية بسيارة فيما أتذكر . عندئذ بدأ كل واحد من الركاب يدلي برأيه في الموضوع تأسفا ،ويبحث عن السبب الرئيسي والأكثر مؤثرا في الساحة . بحيث بادرت بالقول أن من الأسباب الرئيسية قد تكون “السرعة المفرطة والمرور عبر الممرات الممنوعة والمزدحمة واختراق الضوء الأحمر” ،وأيضا محاولة التجاوز والسبق عبر يمين السيارات ، بالرغم من أن صاحب السيارة يكون قد أعلم مسبقا وإشارة بنية الدوران عبر نفس الاتجاه ، فإذا به يفاجأ بدراجات نارية تمر عن يمينه بسرعة البرق . فيحدث ما يحدث حينذاك وتأتي الشرطة مسرعة أو متأخرة !!!لتحديد المخطئ ووصف الحادثة عبر محضر قد يصيب الهدف أو يخطئ. بحيث في الغالب قد تنسب المخالفة لصاحب السيارة بدعوى أنه لم ينظر إلى المرآة الخلفية، والتي عمليا من الصعب أن يتم رصد المتجاوز عبر اليمين وخاصة إذا كانت دراجة نارية أو عادية ،والأدهى من هذا وذاك مزلجة (تروتينت) والتي ليس فيها منبه ولا مصوت أو صوت محرك…
وبعد تبادل أطراف الحديث أدليت برأي ،أيدني ووافقني عليه سائق الطاكسي، ألا وهو: إن المشكل قد يكمن ابتداء في نقص تجهيز المدينة بالطرقات المحددة لمسار السيارات منفصلة عن مسار الدراجات. وأضيف هنا بأنه ينبغي وضع راصد ورادار للسرعة بالنسبة للدراجات النارية ، تماما كما هو الشأن لدى السيارات مع التشديد على عدم التجاوز عبر اليمين مهما كان الأمر وخاصة عند مفترق الطرق والمنعرجات!!! .
كما أن هناك بعض المناطق التي يختلط فيها الراجلون بالراكبين والدراجين اختلاط “قشْقْشة يناير ” حيث اللوز والجوز والحمص والزريعة والفول السوداني والأكاجو والحلويات والمعلّكات ، فيصطدم الحلو مع المالح وتحدث الاختلالات الهضمية والعصبية والكلوية ووو.
وأشير هنا إلى أن من أخطر المواقع وأكثرها عرضة لهذه الاختلالات بمدينة وجدة كما هو حال كثير من المدن العتيقة بالمغرب، هي ذلك الفضاء ما بين ساحة سيدي عبد الوهاب وسوق الفلاح وبالأخص عند موقف الحافلات وسوق مليلية .بحيث لم يعد هناك قانون للسير يحترم ولا يستطيع الشرطي أن يضبط المارة ، سواء أكانوا دراجين أم راجلين ،مهما حاول ذلك واستعمل من أساليب التحذير والتصفير…
في حين قد يوجد هناك خلل حضري ومرتبط بعلامات ونظام السير ربما يدخل في حكم الملغي بسبب العرف والإهمال وذريعة وقوف الحافلات . ويتجلى هذا في ذلك الخط المتصل والمنفصل في آن واحد عند نهاية الطريق المزدوجة حيث تدور الحافلات الحضرية طريق لازاري ومكسيكو وغيرها وينتهي مطافها هناك . فتخترق ذلك الخط المتصل وتتبعها في ذلك السيارات العمومية بدون حرج وعلى ومرأى من شرطي المرور الذي كما وصلني بل سمعت من بعضهم أن هذا الخط قد ألغي ،في حين قال لي أحدهم بأنه يغض الطرف بسبب الازدحام والتعود وأيضا الفوضى التي تعم الساحة ،فيما يسود منطق (احْدي راسكْ لا يفوتو بك القومان يا فلان) . إضافة إلى هذا فإن هذا الخط قد يبدو شبه ممحو وهذا يعني بالنسبة إلى السائقين أنه لا حكم له قانونيا، فيتم عنده التجاوز واللامبالاة .
والذي قد يزيد الطين بلة في هذا المثلث الطرقي الوعر هو وجود طريق ضيق يأتي من جهة سوق مليلية وقبله سوق ممتاز أو دار الخيرية . بحيث إن هذا الممر يصب في ساحة الحافلات مع ازدحام مفرط لا يكاد يسع سيارة واحدة ،بينما هو مفتوح للذهاب والإياب ومن دون وضع علامة قف هناك .
فحينما يأتي السائق من جهة فوق ويخلص من ذلك الضيق فهو إما أن ينعطف نحو اليسار في اتجاه “مستشفى الرازي” وإما يدور نحو اليمين إلى ساحة “سيدي عبد الوهاب”وعند الضوء الأخضر والأحمر أو إشارة المرور، مقتنعا بأن الخط المتصل هناك قد ألغي بسبب مرور الحافلات ، وأيضا بسبب تسامح شرطي أو إلغاء عملي من شرطي المرور .
لكن وحيث إن الأمر قد أصبح هكذا يختلط فيه العرف والقانون فحينما يتجاوز أحدهم هذا الخط بحسن نية وباعتبار الممر قانونيا ،ولما تقع حادثة قد يكون بطلها في الغالب راكب دراجة نارية فيصطدم مع تلك السيارة الخارجة من الممر الضيق المذكور أو حتى إذا لم يصطدم بها فوقع في المارة أو في سيارة أخرى كانت آخذة مسارها، فقد يجد هذا الأخير، أي الدرّاج ، فرصة لتبرير خطئه وفرط سرعته بأن يزعم ويدعي كذبا وتملصا بأن السيارة التي انعطفت نحو اليمين هي السبب في الحادثة ،وذلك بزعم أنها مرت عبر الخط المتصل وأن له الحق في المرور والتجاوز .
وحينما يوضع المحضر فسيبنى في العادة على هذا الموقف اعتمادا على الخط الوهمي والذي ،كما سبق وقلنا ،يدخل في حكم الملغي عرفا وواقعا وإجراء عمليا من طرف شرطة المرور التي تراقب الوضع هناك. وهنا ستحدث المشاكل ولربما قد يتدخل وكيل الملك أو نائبه باتخاذ الإجراءات وكتابة المحضر حسب ما تضمنه المحضر الأول المصاغ على هذه الشاكلة المشكّلة، وأيضا قد يتطلب الأمر بإحضار الشهود والكاميرات… ،حيث لا مجال واقعيا وموضوعيا لهؤلاء ولا لتلك، فينقلب صاحب الحق بضربة حظ إلى صاحب مخالفة ،و يتحول المخل بالسير إلى المطالب بالتعويض وتحميل المسؤولية لغيره تهربا من أصل المخالفة وهي” الإفراط في السرعة” في مكان مزدحم واختلاط حقوق الأسبقية بين الآتي من اليسار والخارج والمتجه نحو اليمين!!!.
فمن يكون إذن السبب في مثل هذه الاختلالات ومن يتحمل المسؤولية ؟ هل أصحاب الدراجات وحدهم أم الراجلون أم أصحاب السيارات أم مديرية الأشغال العمومية أم شرطة المرور أم الجماعة الحضرية أم قانون السير أم مسئولو التخطيط وتحديث المدن أم أم أم؟؟؟. هذه وجهة نظر وملاحظة تحتمل الخطأ والصواب ، ونصيحة عامة لا غير ،والله الموفق للصواب.
أستاذ الفكر والحضارة
وجدة ، المغرب