حديقة جنان السبيل.. إرث تاريخي وإيكولوجي متميز بمدينة فاس
تعكس حديقة “جنان السبيل” التاريخية، تنوع الإرث الحضاري والإنساني للعاصمة الروحية. ولم تحل السنوات الطويلة على تأسيسها دون استمرار هذا الفضاء المشبع بالتاريخ، في التكيف مع مختلف الحقب والأزمنة.
ويحمل هذا الفضاء كل معاني الإرث الجمالي والتاريخي الذي ميز الحاضرة المغربية على مدى قرون عديدة، حيث تضم هذه الحديقة التي كانت ولاتزال تلعب دورا مهما وحيويا في المدينة وتمتد على مساحة تقدر بنحو 7,5 هكتار، حوالي ألف نوع من المغروسات.
ويقترب هذا الفضاء الإيكولوجي الصامد على مر السنوات والمفعم بالكثير من الهدوء والسكينة والمفتوح للعموم، في شكله وما يحتويه من مرافق، من حدائق الأندلس المفقودة، حيث لا يوجد مثيل لأنواعه النباتية إلا في الصين والهند.
وتحتوي الحديقة على ثمانية أبواب ضخمة مزركشة من الحديد، تمكن الساكنة من المرور بسهولة عبر الحديقة للتنقل بين المدينة القديمة والمدينة الجديدة، وهو ما كان سببا في إطلاق اسم “السبيل” عليها، أي الممر أو الطريق.
وتتجسد بداخل الحديقة بأشجارها الشامخة الشاهدة على أحداث زمنية مختلفة، روعة الجمال الطبيعي الخلاب، إلى جانب نافورتها الجميلة وجداول أحواضها، فضلا عن مستطيلات ومربعات من العشب والأزهار وأنواع كثيرة من الأشجار الكثيفة.
وجذبت الحديقة اهتمام الزجالين والشعراء، فقد نظموا وفق روايات بعض المؤرخين، عن هذا الفضاء قصائد المدح والاعتزاز، كما تغنى بها عدد من المطربين. وقام بتهيئة هذا المتنفس المخضر للمدينة العتيقة، الذي صار روضا تاريخيا، السلطان العلوي المولى عبد الله في القرن 18، ليصير في القرن 19 روضا أميريا محاطا بأسوار عالية.
وقد فُتح لعامة الناس في القرن العشرين (1917) واغتنى بأصناف جديدة من النبات وجهز بمقاعد للجلوس. ومما يجلب النظر بصفة خاصة ذلك الممر الذي يخترق الحديقة والذي تحفه أشجار “الواشنطُنيا” و”الخيزران” العالي والصنوبر السامق، وفيه يمكن الاحتماء من الحر في ظل “الأوكلبتوس” والأشجار المثمرة، كما يزدان البستان بحوض مربع تكسوه أشجار البرتقال والليمون والرمان والآس.
ومن أجل إعادة الاعتبار لحديقة “جنان السبيل”، عملت مؤسسة محمد السادس لحماية البيئة برئاسة الأميرة للا حسناء، بشراكة مع ولاية جهة فاس- مكناس وجماعة فاس وجماعة المشور فاس الجديد ومجموعة من المتدخلين الآخرين، على إعادة تأهيل هذا المتنزه وصيانته ورد الاعتبار إليه، لأهميته التاريخية والتراثية والبيئية والترفيهية. وقد انطلقت أشغال الصيانة سنة 2007 ليتم إعادة فتح الحديقة في حلة جديدة سنة 2010.
وحول خصوصية هذه الحديقة، قالت رئيسة “مجموعة الجماعات الترابية جنان السبيل”، فدوى دادون، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، إن هذا المتنزه الإيكولوجي يعتبر تراثا تاريخيا للعاصمة الروحية وفضاءا حيويا وثقافيا للساكنة، يستقطب يوميا عددا كبيرا من الزوار والسياح الأجانب.
وأضافت دادون، أن الحديقة حظيت بعناية خاصة من طرف مؤسسة محمد السادس لحماية البيئة التي تترأسها صاحبة السمو الملكي الأميرة للا حسناء، حيث تم رد الاعتبار لهذه المعلمة التاريخية.
وتابعت المسؤولة بالحديقة، أن مكتب “مجموعة الجماعات الترابية” يحاول الحفاظ على هذا المتنفس البيئي والقيام بالتجديد، حيث تم تخصيص فضاء خاص بالطلبة، كما تم إحداث مسجد صغير بالقصب استجابة لانتظارات مختلف الزوار.
وفي تصريحات مماثلة، أكد زوار الحديقة وبعض السياح الأجانب على أهمية هذا الفضاء المخضر الذي يعتبر متنفسا لساكنة المدينة القديمة على الخصوص وساكنة المدينة عامة والزوار من مختلف المناطق، لما يوفره من راحة وسكينة وتنوع في الغطاء النباتي.
ويعتبر هذا الجنان المفتوح لعامة الناس أكثر أماكن النزهة حظوة لدى أهل المدينة، ولايزال إلى اليوم فضاءا جذابا ومحفزا على الزيارة كل حين، فضلا عن مساهمته في التنشيط الثقافي والفني للمدينة من خلال استضافة عروض مسرحية وحفلات موسيقية تراثية عديدة (الموسيقى الأندلسية، فن المحلون، الموسيقى الروحية…).
ولاتزال الحديقة حاضرة بقوة في وجدان سكان المدينة وزوارها، ومحافظة على توهجها وعظمتها بفضل ما تتوفر عليه من مناظر جمالية وطبيعية ومعالم تاريخية مهمة.
المصدر : و .م.ع