المطربة السودانية شادن التي غنت للسلام وقُتلت بسبب الحرب
في منتصف شهر مارس الماضي ذهبت إلى منزل الفنانة الراحلة شادن محمد الحسن في مدينة أم درمان حيث أقطن، من أجل التخطيط لمادة صحافية لصالح بي بي سي عن أغنياتها للسلام ونبذ خطاب الحزب والكراهية.
كعادتها كانت بشوشة وتلقائية ومضيافة وتقبلت الفكرة بحماسة. وقالت إن إحدى أمنياتها الظهور على منصات بي بي سي لأنها متعلقة بها، على غرار معظم السودانيين.
اتفقنا من حيث المبدأ على الفكرة وتفارقنا على أن نلتقي مرة أخرى لمناقشة التفاصيل، مثل توقيتات التسجيل والتصوير وأماكنها، لكن لم أكن أدري أنها المرة الأخيرة التي سألتقي بها بعد أن لقيت حتفها.
“مقذوف طائش”
في يوم السبت الموافق الثالث عشر من مايو فارقت شادن الحياة بسبب مقذوف سقط في منزلها، وذلك أثناء القتال المستمر بين الجيش وقوات الدعم السريع في مدينة أم درمان.
ومن المفارقات أنها كانت تستعد لمناهضة الحرب بأغنياتها وفنها الشعبي، لكنها قُتلت بسبب الحرب العبثية التي أدخلت البلاد في نفق مظلم.
وظلت شادن مع أسرتها حبيسة داخل المنزل طوال مدة الحرب التي استمرت لمدة أربعة أسابيع، وكانت لديها رغبة كبيرة في الحياة، وأبدت استعدادها للموت بكرامة وكتبت على صفحتها على فيسبوك تقول: “ظللنا لمدة 24 يوما مسجونين داخل المنزل لا ماء ولا طعام. ورأينا كيف يتم نهب ممتلكات الجيران.. ونحن لا نهاب الموت الذي يحاصرنا من كل جهة ومرحب به.. وربنا يرفع البلاء عن الناس”.
” حكامة الثورة”
تُعدُّ شادن واحدة من الفنانات القلائل من بنات جيلها، كرست فنها وحياتها لمحاربة الحرب وخطاب الكراهية، وحكم الفرد وتمجيد السلام والمحبة والديمقراطية.
ولدت في مدينة الأبيض عاصمة ولاية شمال كردفان التي تقع غرب البلاد، ودرست الاقتصاد في جامعة أم درمان الأهلية، لكنها اتجهت نحو الفن وخاصة الغناء الشعبي والتراثي الخاص بمنطقة كردفان.
واشتهرت بلقب “الحكامة”، الذي يطلق في العادة على النساء في دارفور وكردفان والمجيدات للشعر والغناء الشعبي، ولهن سطوة كبيرة حول الرجال في تلك المجتمعات.
وكان لها دور بارز في مناصرة وتأييد الجماعات الشعبية المناهضة للحكم العسكري، وشاركت بأغنياتها مع المتظاهرين السلميين الذين تمكنوا من إسقاط نظام الرئيس السوداني المعزول عمر البشير الذي حكم البلاد بقبضة حديدية لمدة ثلاثة عقود.
كانت حاضرة بأغنياتها في اعتصام قيادة الجيش الذي نظمه مئات الآلاف من المتظاهرين للمطالبة بالحكم المدني، وذلك بعد سقوط البشير واستيلاء قادة الجيش على السلطة.
كان معظم المتظاهرين يتغنون بأغنيتها الشهيرة “خيال الحكامة” وصارت بمثابة أيقونة يرددونها على الدوام.
“حزن عميق”
وفي دليل على مدى حب السودانيين لها، خاصة في أوساط الشباب، تحولت الصفحات الشخصية للكثير منهم على منصة فيسبوك إلى ما يشبه مجالس العزاء، حيث تم نعيها، وتعديد مآثرها، وعدل الكثيرون منهم صور صفحاتهم وتم تبديلها بصورها. كما ندد آخرون بالحرب التي تسببت بمقتلها.
ولم تكن شادن هي أولى ضحايا الحرب من الفنانين والمثقفين والرياضيين، فقد قتلت الفنانة والممثلة القديرة آسيا عبد الله خلال اليوم الثاني من الاشتباكات في أم درمان، كما توفي المدرب السابق لفريق الهلال فوزي المرضي متأثرًا بوفاة ابنته الطبيبة التي قُتلت أيضًا برصاصة طائشة داخل المنزل في مدينة أم درمان أيضًا.
غير أن حزن السودانيين على الفنانة شادن كان عميقًا ودفينًا خاصة وأنها لا تزال شابة ممتلئة بالحياة.
بي بي سي