ماذا لو أصبح الفصل المُجَرِّم للتحرش الجنسي سلاحا انتقاميا مدمرا ؟
من المباديء الاخلاقية المتعارف عليها والقيم المجتمعية الراسخة عبر الحقب والاجيال ، ان لا احد يستسيغ التحرش الجنسي باعتباره مقرفا ومقززا ، بل يسائل جميع اطياف المجتمع من اجل محاربته والقضاء عليه من جهة ، عن طريق سن قوانين تضمن الحماية و تضرب على ايدي الجناة ، ونشر قيم احترام الاخر وعدم استرخاص جسده واستباحته ولو بالغمز واللمز والاشارات والايحاءات الجنسية من جهة اخرى ،
و ذلك ما دفع المغرب وفي اطار ملاءمة تشريعاته الوطنية مع الاتفاقات الدولية الى سن القانون 103-13 سنة 2016 والذي دخل حيز التنفيذ سنة 2018 و من بين مقتضياته تجريم التحرش الجنسي والذي لم يكن مجرما قبل 2018
لكن من الثابت ايضا ان كل متهم او مشتبه فيه بارتكاب جريمة يعتبر بريئا الى ان تثبت ادانته قانونا بمقرر مكتسب لقوة الشيء المقضي به بناء على توفر محاكمة عادلة ترتكز على ضمانات قانونية
ولا تتوفر المحاكمة العادلة الا بناء على التطبيق العادل للقانون والقانون وحده
لكون المواطنين متساوون امامه .
لكن بالرجوع الى قضية الطبيب الممارس لمهنة الطب بالقطاع الخاص بوجدة والمختص في امراض الحلق والانف والحنجرة المتهم بالتحرش الجنسي ، فان الوقائع التي اثارت حفيظة الرأي العام تبلورت حول تحرش طبيب في عيادته بزوجة مريض في يوم رمضان وبحضور زوج المشتكية ، وان زوجة المريض مسكت بجناح الاذن حتى يتمكن الطبيب من ادخال المنظار في الاذن المريضة الا ان الطبيب لامس يدها بسوء نية حسب ادعائها .
لكن بما ان عيادة الطبيب مجهزة بعدة كاميرات مراقبة مثبتة في مختلف القاعات وبعد اطلاع المحكمة على الاقراص المدمجة بعد تفريغها خلال الجلسة العلنية وعرضها على شاشة المحكمة لم يتبين اي فعل يثبت التحرش الجنسي .
الشيء الذي يجعل الاثبات منعدما على اعتبار ان التحرش يثبت بالاعتراف او شهادة الشهود او الوسائل الالكترونية الحديثة منها كاميرات المراقبة .
الاكثر من ذلك فان الكاميرا اثبتت وجود هجوم من طرف الضحية واخوان زوجها وامها على الطبيب بالبصق والشتم والضرب ومختلف الاهانات داخل عيادته ، وقد تم الاستماع الى اثنين كمشتكى بهما في محضر الضابطة القضائية في حين ان المتابعة همت الطبيب وحده دون متابعة باقي الاطراف ،رغم اثبات محضر الضابطة والكاميرات التي اطلعت المحكمة على محتواها في جلسة حضرها عامة الناس واقعة الاعتداء والبصق والمساهمة في الشجار ومختلف الاهانات ، بل لما تقدم دفاع المتهم بشكاية مباشرة قانونية لم تحظ بالقبول والبت فيها ،الشيء الذي يجعل ضرب مبدأ دستوري وقاعدة قانونية تتعلق بالمساواة امام القانون واردة في النازلة .
الا كثر من ذلك فان القانون الجنائي يعاقب على التحرش الجنسي بالحبس من شهر الى ستة اشهر وبغرامة من 2000الى 10000 درهم او احدى هاتين العقوبتين , الا ان النيابة العامة اضافت خلال الجلسة متابعة المشتبه فيه بفصل يتعلق بالتحرش بالاصول و الكافلين ومن لهم سلطة اوولاية شرعية على الضحية حتى يتم تشديد العقاب لان هذا الفصل يرفع العقوبة الى خمس سنوات ، وهو لا ينطبق اطلاقا على الواقعة التي ينظمها الفصل 503-1-1 اذ ان ظروف التشديد خص به المشرع محيطا عائليا ضيقا يتمثل في الاباء او المتبنين او الكافلين او من لهم ولاية على القاصر ، وهو ما لا يتوفر في النازلة التي حتى في حالة ثبوتها فان العقوبة فيها محددة من شهرين الى ستة اشهر او الاكتفاء بالغرامة .
كما ان استناد الادعاء العام على حكم لم يكتسب حجية الامر المقضي به لا يمكن ان نثبت به العود ، الذي يشترط اكتساب الحكم قوة الشيء المقضي به ،
اما عن العقوبة التأديبية المتخذة من طرف مجلس الاطباء فقد صرح المتهم وجود سبق شانآن له مع عدة مصحات ،
وان اشارة المحكمة الى سوابق المتهم لاضفاء التشديد لا يجد له سندا في القانون ، لان شكايات تم حفظها كانت موضوع افعال لم تكن مجرمة بمقتضى القانون الجنائي , والقانون كما هو معلوم دستوريا لا يسري بأثر رجعي وان ما يمكن ان يساءل عليه المتهم هي الجنح التي نظمها القانون 103-13 بخصوص التحرش والذي لم يدخل حيز التنفيذ الا بتاريخ 2018 ، كما ان المحكمة لا تستند في حكمها الا على المستندات والوثائق المعروضة عليها .
وللاشارة فان المشتكية وحسب ما اثبتته الكاميرات التي اطلع على محتواها كل من كان حاضرا في قاعة الجلسات وقعت في عدة تناقضات ذلك انها صرحت ان المتهم الطبيب ” غمزها” والحال انه لو قام بذلك لرآه زوجها الذي كان يرافقها ، ولقامت باحتجاج في تلك اللحظة علما ان المشتكية كانت تبتسم داخل قاعة الفحص ويبدو عليها الهدوء والطمأنينة .
كما ان الكاميرا لم تثبت اية اشارة او فعل يعتبر ايحاء جنسيا ، و ان شدها من خصرها او ملامسة كتفها او جعل رجليه بين رجليها امر غير وارد اطلاقا بقوة الصور الموثقة بالكاميرا ، بل على العكس فالتسجيل يظهر الطبيب ملامسا للمريض اي زوجها بحكم ضرورة اقترابه من الاذن وان المشتكية كانت عادة تبتسم ولم تظهر اية ملامسة ليدها من طرف الطبيب المتهم بلمس يدها ، وان حضورها واقعة الشجار والضرب والايذاء والبصق من طرف اخوي زوجها ووالدتها انكرتها ولكن اظهرت الكاميرا عكس ذلك،
الشيء الذي يتبين التناقض الصارخ الذي وقعت فيه والذي وثقته كاميرات المراقبة .
عبء الاثبات في واقعة التحرش الجنسي يقع على عاتق المجني عليه والا كلما توفرت حالات الاتهامات الانتقامية الا ويتم اتهام مظلومين بالتحرش الجنسي ويصبح القانون سيفا مسلطا على الرقاب .
لكن اذا وقع الاثبات طبعا فانه لا رحمة بالمتحرشين وان الاثبات يكون بالاعتراف او شهادة الشهود او الوسائل الالكترونية الحديثة وفي نازلة الحال فان المتهم اثبت عدم قيامه باي تحرش في الملف المعروض، اذ ان التطبيق العادل للقانون يعتمد على النص القانوني الذي يجب ان يفسر تفسيرا ضيقا لفائدة المتهم بناء على وسائل اثبات قانونية ، وفي احترام تام لمبدأ المحاكمة العادلة ومساواة المواطنين امام القانون، اذ لا يجوز لاحد ان يقتص بنفسه ومع ذلك لا يتابع في الوقت الذي يتابع فيه متهم اخر ، علما انه لا يمكن للمحكمة أن تبني مقررها إلا على حجج عرضت أثناء الجلسة ونوقشت شفهياً وحضورياً أمامها. وبما ان كاميرات المراقبة اثبتت عدم وجود التحرش الجنسي فان الاثبات كان منعدما ، ومع ذلك صدر حكم قاس يقضي بثلاثة سنوات حبسا نافذا !
تحليل موضوعي بارك الله فيكم جميعا والأغرب من ذلك سرعة الحكم المشدد