8 دجنبر، الذكرى 47 لضحايا الترحيل التعسفي المغاربة من الجزائر ووقفة احتجاجية رمزية أمام قنصلية الجزائر بوجدة

8 دجنبر، الذكرى 47 لضحايا الترحيل التعسفي المغاربة من الجزائر  ووقفة احتجاجية رمزية أمام قنصلية الجزائر بوجدة

عبدالقادر كتــرة

إحياء  للذكرى 47 على ترحيل المغاربة من الجزائر سنة 1975، خاض جمال العثماني وهو أحد ضحايا هذا الترحيل التعسفي، صباح يوم الخميس 8 دجنبر 2022،  وقفة احتجاجية صامتة أمام قنصلية الجزائر بوجدة لتذكير النظام الجزائري بهذه الجريمة التي أقدم عليها الرئيس الراحل هواري بومدين ووزير خارجيته أنداك الراحل عبد العزيز بوتفليقة.

وتأتي هذه الوقفة الرمزية، احتجاجا  وإحياء لهذه الذكرى الأليمة  والوحشية والجريمة الشنيعة التي ارتكبها النظام العسكري الجزائري في حق أكثر من  45000 عائلة تتألف مما يفوق من 350 فردا وذلك انتقاما منهم على قيام المغرب بالمسيرة الخضراء التي من خلالها استرجع أقاليمه الجنوبية، مجرَّدين من ملابسهم ومن  كل ممتلكاتهم يوم عيد الأضحى دون مراعاة ما قدمته هاته العائلات من خدمات جليلة وتضحيات  سواء لثورة التحرير الجزائرية وبعد الاستقلال بحيث كانوا مساهمين فاعلين في اقتصاد الجزائر وبنائها، لما كانوا يتوفرون عليه من تجارة ومهن حيوية عدة.

وللتذكير، عمدت الدولة الجزائرية، صباح يوم 8 دجنبر 1975، مباشرة بعد المسيرة الخضراء المظفرة لاسترجاع المعرب صحرائه المغتصبة من طرف الاستعمار الاسباني، على ترحيل قسري جماعي وبدون سابق إنذار ودون وجه حق، ل45 ألف أسرة مغرية ( أي ما يناهز 350 ألف شخص)، في ظروف غير أخلاقية وغير انسانية، وفي أيام عيد الأضحى.. مسلوبة من كل ممتلكاتها، كانت تقيم بصفة شرعية وقانونية فوق التراب الجزائري.

ضحايا أبرياء وعُزّل لعملية وحشية همجية

ضحايا هذه العملية الوحشية الهمجية، ساهموا بالغالي والنفيس أثناء ثورة التحرير بحيث شكلوا إلى جانب الشعب الجزائري النواة الأساسية لمقاومة الاستعمار وقدموا شهداء في هذا الميدان، كما أنهم لعبوا كذلك دورا فعالا في تنمية اقتصاد البلاد بعد الاستقلال بحكم أن الكثيرين منهم كانوا يمارسون التجارة والفلاحة ويمتهنون حرفا أخرى، غير أن هذه التضحيات الجسام لم تشفع لهذه العائلات أمام هذا القرار الطائش والجائر والصادر بشكل فجائي ينم على حقد دفين…انتقاما منهم على استرجاع المغرب لوحدته الترابية.

لم يستحضر النظام الجزائري أواصر الدم ولا القرابة ولا الإسلام والا العروبة والجوار، ولم يتذكر حكام الجزائر أن المغرب وخاصة مدينة وجدة كانت مقرهم إبان الاستعمار وحرب التحرير الجزائرية بوجدة وهم الذين يطلق عليهم “جماعة وجدة” منهم  الرئيس الراحل بومدين والرئيس المخلوع مؤخرا بوتفليقة وزير خارجيته آنذاك، والذين بسبب أنشطتهم الثورية السياسية والعسكرية قصف المستعمر الفرنسي وجدة ملجأ الثوار الجزائريين ومعقلهم.

احتضنتهم مدينة زيري بن عطية المدينة الألفية وبوابة المغرب العربي   قلعة الثورة الجزائرية، لكن تحولت هذه المدينة دجنبر 1975 إلى مجموعة من المخيمات استقبلت 45 ألف أسرة مغربية مطرودة ومقهورة ومسلوبة ممتلكاتها ومجردة من ملابسها من طرف النظام الجزائري، تحولت إلى مخيمات المعرض وملعب الركبي والخيريات ومقرات الشبيبة والرياضة بوجدة وأحفير وبركان والناظور وبوعرفة

أخرجوا من ديارهم وشحنوا كالحيوانات ورموا في الشريط الحدودي 

لم يستسغ النظام العسكري الجزائري أن يسترد المغرب صحراءه بالطريقة السلمية  التي سلكها في ظروف إقليمية ودولية خاصة وكانت له أطماع فيها واتخذها كورقة ضغط للمساومة على الحدود والأراضي المغربية التي حازتها الجزائر خلال الاستعمار الفرنسي، كما كان النظام الجزائري مهووس بالتمسك بالزعامة في المنطقة.. ولم يجد معروفا يرده للمغرب على ما قدمه من تضحيات وشهداء مغاربة للجزائر في سبيل استقلالها إلا تفجير حقده  عليه والانتقام  من الحلقة الأضعف وهم المغاربة الذين كانوا في حماه وتحت حمايته وواجب عليه صيانه حقوقهم كما يضمنها الإسلام ديننا الحنيف والمواثيق والأعراف الدولية.

اتخذ  النظام الجزائري قرار  الطرد التعسفي في حقّ المغاربة وتجريدهم من ممتلكاتهم وفصل الزوج عن زوجته والزوجة عن زوجها والأطفال عن أمهاتهم وآبائهم وتشتيت الأسر وأرامل الشهداء المغربة في سبيل استقلال الجزائر وأيتامهم، بسرعة فائقة وتنفيذه بطريقة أسرع. أخرج المواطنون المغاربة القاطنون فوق التراب الجزائري وهم الذين ضحوا في  سبيل تحرير الجزائر وفي ساهموا في ببنائها، أخرجوا من ديارهم ومنهم من لم يجد حتى فرصه الالتحاق   ببيته، ولم يترك لهم الفرصة لتدبير أملاكهم أو أمتعتهم، فتركوا كل شيء وعادوا وكلهم حسرة ضد قرار جائر اتخذ دون أدنى اعتبار، منهم من ترك أبناءه ومنهم من ترك زوجته ومنهم من عاد دون آبائه

يحكي العديد من المغاربة المطرودين  ضحايا الترحيل التعسفي من الجزائر أن قوات الأمن  السرية والعلنية والدرك الوطني والعسكر، قامت باقتحام منازل المغاربة تحت جنح الظلام وتكبيل كل من في المنزل واقتيادهم  إلى مخافر وشحنهم كالحيوانات فوق شاحنات كانت مخصصة لتلك العملية البغيضة المصنفة في خانة الجرائم النازية والصهيونية ضد الإنسانية، في عز فصل بارد قاس قسوة  قلوب جنرالات الجزائر على المغرب، ومن المغاربة من رحل بلباس نومه ومنهم من أخرج عاريا إلا من تبانه ومنهم من… مأساة حقيقية   بطلها نظام هواري بومدين الدكتاتوري  وجريمة ارتكبها  النظام العسكري الجزائري في حق مغاربة لا ذنب لهم، بتهجيرهم قسريا وتشتيت أواصرهم وسلب ممتلكاتهم، كما تعرضوا لأبشع  ممارسات التنكيل  عند نقط التفتيش في اتجاه الحدود بشكل مهين ولا إنساني.

بوتفليقة يامسؤول، عند الله آش تقول؟” و”الحقيقة الحقيقة، عارفها بوتفليقة” و”عار عليك يا جاري، تجري علي من داري” و”فين الأملاك العقارية، هاذي أوراقها بين يديَّ” و” الجريمة ها هي والحقوق فين هي؟، الجريمة هاهي والعقوبة فين هي؟” ” و”ظلم ذوي القربى أشد مضاضة على المرء من وقع الحسام المهند” و”أملاكي العقارية أوراقها بين يدي” و”في العيد الكبير يا سفير، طردتونا من الجزائر” و”لا للفصل 42 من قانون المالية الجزائرية (خاص بمصادرة أملاك المطرودين لمغاربة)، ممتلكاتي حقّىّ”و”عاوناك على الاستقلال وقستونا (رميتونا) في زوج بغال (النقطة الحدودية)”، تلك بعض الشعارات التي رددتها  حناجر المئات من المواطنات والمواطنين    المغاربة ضحايا الترحيل التعسفي من الجزائر خلال الوقفات الاحتجاجية الغاضبة والصارخة والصاخبة، أمام مقر القنصلية الجزائرية بمدينة وجدة.

شهادات مؤلمة ومأساوية

آلام وأحزان وجراح غائرة لازمت أغلبية الضحايا طيلة ال45 سنة وتحولت إلى كوابيس  تطاردهم  كأشباح ليل نهار، ولا زالوا يحكون ذكرياتهم الأليمة في كلّ مناسبة، لكلّ جزائري ولكلّ مغربي، ويلقنونها لأطفالهم، بشتى الطرق وبمختلف الاساليب ولا زالت الاحتجاجات مستمرة ونضالات الجمعيات متواصلة داخل المغرب وخارجه أمام قنصليات وسفارات الدولة الجزائرية والمنظمات والجمعيات الحقوقية الدولية، للجهر بهذه الجريمة والتنديد بها والمطالبة باسترجاع الحقوق وجبر الضرر..

ويحكي  الضحايا عن مأساتهم في العديد من الرسائل الموجهة  لقادة النظام الجزائري ” قام نظام هواري بومدين بتنظيم المسيرة الكحلاء لإظهار حقده وطغيانه  ولم يجد  من يصب جام  جبروته إلا نحن مغاربة الجزائر حيث تنكر لكل ما قدمناه من خدمات للثورة الجزائرية وللدولة الجزائرية وقد ضرب عرض الحائط بكل ما قدمه سكان المغرب والمناطق الشرقية والريف للمجاهدين الجزائريين أيام محنتهم…سلط زبانيته على المغاربة القاطنين بالجزائر وزج بهم في المعتقلات واستولى على الممتلكات وشتت العائلات مع ما تبع ذلك من إهانة وتعدي على الحقوق الإنسانية والكرامة البشرية.”.

قرارة الخيط..” سيرة ذاتية عن تجربة الطرد التعسفي من الجزائر سنة 1975 وصرخة قوية لمؤلفها جمال العثماني والذي كتب “الطرد هو الذي شتت العائلة الكبيرة من خال وخالة وعم وعمة، وفرق النسب والصهر المجموع في “حمام بوحجر” …الطرد هو من شتت العش، وأتلف العشب وحبس الطير في القفص. الترحيل التعسفي من الجزائر هو من أربك الحساب وحطم قواعد الغد وضيع الحلم واتى على الدراسة وعقد النفس وجردنا من الحياة وقتل أمي”، يتذكر بأسف وغضب المؤلف العثماني. ” هنا كانت بدايتي ومن هنا جاءت نهايتي…هذه الأرض جردتني من الحلم، وانتزعت من قلبي البسمة والصورة والحياة وعذبتني…”.

ويحكي شعبان الذي كان لاعب كرة القدم في صفوف وداد تلمسان الجزائرية أنه أخرج من الملعب بالقميص الأحمر للفريق خلال مباراة كرة القدم يوم 27 دجنبر 1975 بعد عيد الأضحى، نقل مباشرة إلى مدينة بني انصاف وألحقوه بأسرته قبل أن يتم ترحيلهم إلى المركز الحدودي جوج بغال بوجدة، على الساعة الرابعة صباحا، وكان آنذاك الطقس قاسيا والبرد قارسا ولم يستطع نسيان تلك اللحظة ولا يمل من ترديد “لو خيرت بين الجنسية الجزائرية والجنسية الإسرائيلية لاخترت هذه الأخيرة“.

ويتذكر عكاشة  وهو طفل صغير في الابتدائي أن بعض المعلمين الجزائريين كانوا يتعمدون كل يوم مطالبة الطفال المغاربة برفع الأصابع لتمييزهن عن الجزائريين إهانة لهم وتذكيرا بأنهم “مراركة”(مغاربة)، وكان أغلبهم يحس بعقدة تجاه المغاربة ويحملون أو حملوا  من طرف النظام الجزائري عبر وسائل الإعلام وسياسة الاستعلاء  بذرة الحقد والضغينة تجاه كلّ ما هو مغربي.

وهناك من المغاربة من فضل اختيار الجنسية الفرنسية  والاستمرار في العمل بصفته أجنبي وله حصانة الفرنسي تتجنب السلطات مسه خوفا من ردود فعل فرنسي، وهناك من اختار الرحيل إلى فرنسا غير نادم على بلد جاحد، بعد أن هجم العسكر ورجال المخابرات الجزائرية على منازل المغاربة، كما يشهد بذلك المرحلون قسرا، وسرقوا ونهبوا ممتلكاتهم خاصة وان المغاربة كانوا يمتلكون صالونات  من الأثاث المغربي الجميل ومختلف الأثواب من حجب وستائر  منتوجات الصناعة التقليدية المغربية. ومن عائلات المغاربة المطرودين بالجزائر من أصهار من استغل المناسبة وسطا على ممتلكاتهم واقتحم منازلهم وحازها حيازة المالك ظلما وعدوانا وسجلوها بأسمائهم.

تجدر الإشارة إلى أن جمال العثماني له مؤلفان أرّخ فيهما لهذه التجربة المُرة والقاسية التي نحتها النظام العسكري الجزائري الحقود والحسود في ذاكرة  ضحايا الترحيل القسري…كتاب “قُرارة الخيط”، و”تخاريف حنّة يامنة”، وإذ يطالب كافة المؤسسات والمنظمات والهيآت الحقوقية الرسمية والغير الرسمية، الوطنية والدولية، بالعمل على تحقيق مشروعية العدالة والإنصاف من خلال رد الاعتبار لكرامة هذه الفئة وإرجاع حقوقها وممتلكاتها المسلوبة وجبر ضررها مع دفع الدولة الجزائرية إلى تقديم اعتذار رسمي والاعتراف بهذا الترحيل التعسفي الغير المبرر.

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *