مدى توافق القناعات الشخصية الحداثية للسيد وزير العدل مع الثوابت الجامعة للأمة المنصوص عليها في الفصل الاول من الدستور
سليمة فراجي
ورد في تصريحات السيد وزير العدل انه سيتم تعديل القانون الجنائي وفق قناعاته الحداثية ، مضيفا انه سيتم الزام اي شخص بأداء تعويض لمدة 21 سنةلفائدة طفل ازداد نتيجة علاقة جنسية بين رجل وامرأة لا يربط بينهما عقد زواج ، الشيء الذي نستنتج منه رفع التجريم عن الفساد ،على اعتبار انه في ضوء القانون الجنائي الجاري به العمل فان حمل المرأة خارج مؤسسة الزواج يعتبر حجة على ارتكابها لجنحة الفساد وبذلك تتم متابعتها، ويتابع كذلك الشريك مرتكب جريمة الفساد طبقا لقواعد الاثبات المنصوص عليها قانونا .
وحسب تصريح السيد الوزير سيواجَه من مارس الجنس خارج مؤسسة الزواج ، بأداء تعويض لمدة 21 سنة لطفل ثبت حمض والده النووي انه من صلبه ، اضافة الى اداء نفقة ابنائه الشرعيين ان كان متزوجا طبقا لمقتضيات مدونة الاسرة وقاعدة الولد للفراش و السؤال المطروح :
-هل سيلزم الوالد بتسجيل الابن غير الشرعي في حالته المدنية الى جانب ” الولد للفراش “ام سيتم الاكتفاء باداء التعويض لمدة 21 سنة ؟
-هل سيتم اجراء تحاليل الحمض النووي لمجموعة من الاشخاص اذا تعلق الامر بمحترفات الدعارة اذ تكون العلاقة الجنسية الناتج عنها الحمل قد اقيمت مع عدة اشخاص ؟
-الا يعتقد ان هذه المقتضيات ستشجع على الايقاع بالشريك اذ ستتعمد اي امرأة وقوع الحمل للاستفادة من التعويض المتحدث عنه ، خصوصا اذا كان متزوجا بغيرها وما يستتبع ذلك من زعزعة استقرار الاسرة
-هل ستكون هذه المقتضيات والتي نستنتج منها رفع التجريم عن الفساد والاقرار الجبري بالبنوة مشجعا لاقامة العلاقات الجنسية والحمل خارج مؤسسة الزواج وبالتالي هدم الاسرة المغربية ، ام بالعكس سيكون الخوف من اداء التعويض والخضوع لمساطر تحاليل الحمض النووي وعلم الزوجة الشرعية والابناء الشرعيين بالواقعة ، حائلا دون ممارسة الجنس رضائيا بين متزوجين او طرف متزوج ؟
-ما الامر اذا افاد الحمض النووي ان الشريك مارس الجنس مع امرأة متزوجة و حملت منه بدل الزوج والحال ان الولد للفراش بالنسبة لزوجها ؟ وما هي المقتضيات القانونية التي نواجه بها جريمة الخيانة الزوجية المثبتة بالتحليل الطبي ؟ علما ان السيد الوزير ابدى رأيه بخصوص جريمة الخيانة الزوجية ؟
– الم يحن الوقت لخوض معركة التخليق في احترام تام للحقوق والحريات ومواجهة موجة انهيار القيم ؟
– هل بالامكان مقارنة المجتمعات المتقدمة التي قطعت اشواطا في الديموقراطية واحترام الحقوق والحريات والتحضر والتي يعتبر احتساء المشروبات الروحية من عاداتها اليومية دون احداث اي شغب او افعال مشينة ،مع حالات السكر في دول العالم الثالث التي يقترن فيها السكر عادة بارتكاب الجرائم والحاق الاضرار بالمارة والساكنة ، كما ان العلاقة الجنسية الرضائية بين راشدين لا يستسيغها مجتمع قد ننعته بالنفاق لانها ترتكب في الخفاء احيانا ، لكن ذلك لا يعني ان تتم شرعنتها ضدا على مقتضيات الدستور الذي يعتبر الاسلام دين الدولة، والاسلام يحرم الزنا !
-الا يمكن ان نلمس تناقضا بين القناعات الحداثية الشخصية للوزير ،و القوانين الجاري بها العمل وعلى رأسها القانون الاسمى للبلاد الذي هو الدستور والذي يجعل الدين الاسلامي متصدرا لثوابت الامة الاربعة بمقتضى الفصل الاول منه كما انه ينص في فصله الثالث ان دين الدولة هو الاسلام الذي يحرم بعض الافعال ؟بل بالرجوع الى الفصل 19 الذي اقر المساواة بين الجنسين في الحقوق والحريات المدنية وغيرها ربطها باحترام ثوابت المملكة وقوانينها !
الم ينص الفصل 32 من الدستور ان الاسرة القائمة على علاقة الزواج الشرعي هي الخلية الاساسية للمجتمع ؟ وان اي انحراف عن الدستور او سن تشريع معيب قد يفكك الخلية التي تحدث عنها دستور المملكة ؟
الم يصرح ملك البلاد وتماشيا مع الدستور وبصفته اميرا للمؤمنين انه لن يحرم ما أحله الله ولن يحل ما حرمه الله ، وان مدونة الاسرة التي تهم الاسرة المبنية على تعاليم الاسلام وثيقة الصلة بالشريعة وتختلف عن القوانين الوضعية الاخرى جعلت من الزواج رباطا مقدسا وان اية علاقة جنسية خارج اطار الزواج الذي هو ميثاق ترابط يعاقب عليها بمقتضى القانون الجنائي الذي قال عنه وزير العدل انه سيتم تعديله وفق قناعاته الحداثية ؟
-اليس من الممكن بل من اللازم ان ييتم تدارس الامر على اساس نقاش مجتمعي مستفيض بدل القناعات الشخصية لان اي تشريع يجب ان يستمد من قناعات الامة ؟
واذا كان القانون يردع المخالفين ويجرم الافعال المعتبرة جرائم قد يعاقب عليها بعقوبات سالبة للحرية ، فان الدين يوجه الانسان للعيش بأخلاق ، باعتباره حافظا للوجدان و منبعا للطمأنينة والسكينة ومحققا للتوازن بين الذات والكون .كما انه يشعر الانسان بحدوده وبحريته التي لا يحدها سوى العبودية لله دون تجبر او تطاول على حقوق الاغيار او الوقوع في المحظور ، وان دستور المملكة لم يرتبه في الدرجة الاولى بالنسبة للثوابت الجامعة الامة عبثا ؟
وللاشارة فقد سبق للاستاذ عبد اللطيف وهبي،قبل ان يكون وزيرا للعدل خلال تصريحات في الندوة الصحافية التي أعلن فيها ترشحه للأمانة العامة للحزب، “والتي مفادها أن الإسلام السياسي مجرد فزاعة ولا يثير أي إشكال؛ على اعتبار أن إمارة المؤمنين إسلام سياسي أيضا ووزارة الأوقاف إسلام سياسي، وأنه من البديهي أن تنتصر الأحزاب لهذه المرجعية”.
واثر هذه التصريحات المثيرة للجدل كتبت مقالا شرحت فيه أن الشأن الديني بقوة الدستور “هو من اختصاص إمارة المؤمنين، هذه المؤسسة القديمة المرتبطة بالتاريخ القديم للحكم في المغرب، مؤسسة قائمة الذات تخول للملك كممثل أسمى للأمة تدبير الشأن الديني وتفويض تدبير هذا الشأن لمجموعة من المؤسسات تابعة له وتسترشد به”
الشأن الديني، سواء تعلق الأمر بمواجهة القوى العلمانية أو الإسلامية، “هو من اختصاص إمارة المؤمنين بمقتضى الفصل 41 من الدستور الذي يعتبر الدين الإسلامي أول ثوابت الأمة من حيث الترتيب، ولا يجيز للأحزاب أن تؤسس على الأساس الديني، على اعتبار أن هذا الشأن يمارسه الملك حصريا ضمن صلاحياته المتعلقة بإمارة المؤمنين (الفقرة الأخيرة من الفصل 41 من دستور المملكة)”.
صحيح ان المغرب دولة حداثية ومنفتحة على القيم الكونية لكن لها هويتها الراسخة و ثوابتها المنصوص عليها دستوريا وامارة المؤمنين المختصة بالشأن الديني، اذ يرأس الملك امير المؤمنين المجلس العلمي الاعلى الذي يتولى دراسة القضايا المعروضة عليه علما ان هذا المجلس هو الجهة الوحيدة المؤهلة لاصدار الفتاوى التي تعتمد رسميا استنادا إلى مبادئ واحكام الدين الاسلامي بعيدا عن قناعات الاشخاص احتراما للدستور و لحقوق وحريات المواطنين ، وملاءمة التشريعات الوطنية مع الاتفاقيات الدولية ولكن في نطاق احكام الدستور وقوانين المملكة وهويتها الوطنية الراسخة .