ان كانت العدالة لا تحلق الا بجناحين فلماذا لا يعامل المحامون على قدم المساواة مع القضاة ؟

ان كانت العدالة لا تحلق الا بجناحين فلماذا لا يعامل المحامون على قدم المساواة مع القضاة ؟
سليمة فراجي
لما عرض القانون التنظيمي للمجلس الاعلى للسلطة القضائية والقانون التنظيمي المتعلق بالنظام الاساسي للقضاة خلال الولاية البرلمانية 2011-2016 تم اعتماد مقاربة تشاركية كلما تعلق الامر بصياغة التعديلات  بل كانت مختلف جمعيات القضاة  تتصل بالفرق البرلمانية من اجل التجويد والتنقيح في افق تمرير قوانين تأخذ بعين الاعتبار خصوصيات ونبل رسالة القضاء ، وانكب اعضاء لجنة العدل والتشريع على صياغة التعديلات والمقترحات بكل تفان و مسؤولية وتجرد
لكن لما طرحت مسودة قانون مهنة المحاماة للتعديل  والتتميم والتغيير والتعديل  تمت احاطتها باسلوب من التسلط و الاستبداد بالرأي واستعراض العضلات من طرف البعض  مع اقصاء ممنهج  للمعنيين المباشرين  بقانون المهنة الا وهم المحامون
واذا كانت المواثيق الدولية نصت على سعي المحامين الى إعلاء شأن العدالة، عن طريق الدفاع و التمسك بحقوق الإنسان والحريات الأساسية التي يعترف بها القانون الوطني والقانون الدولي، وتكون تصرفاتهم في جميع الأحوال حرة  نزيهة متماشية مع اخلاقيات المهنة ورفعتها واعتبارها ، فان التشريعات يجب ان توفر لهم الضمانات من اجل القدرة على أداء جميع وظائفهم المهنية بدون تخويف أو إعاقة أو مضايقة أو تدخل غير لائق ، عن طريق سن نصوص تتلاءم مع المواثيق الدولية ومع دستور 2011 الذي جاء  لاحقا في الزمن للقانون 08-28 المنظم لمهنة المحاماة الصادر سنة 2008 والذي اصبح متجاوزا
خصوصا اذا لاحظنا ان هذا الدستور رفع القضاء ولأول  مرة في تاريخ المملكة الى درجة سلطة مستقلة عن السلطتين التقليديتين في الدولة ، قائمة الذات عن طريق إنشاء المجلس الاعلى للسلطة القضائية ،كما نقل السلطة على قضاة النيابة العامة من الجهاز التنفيذي الى احد اعضاء المجلس الاعلى للسلطةالقضائية ترسيخا لاستقلال هذه السلطة ، وأصبح الشأن القضائي منذ دخول  القانون التنظيمي عدد 100-13المتعلق بالمجلس الاعلى للسلطة القضائية مشتركا بين ثلاث سلطات متمثلة في المجلس الاعلى  للسلطة القضائيةورئاسة النيابة العامة ووزارة العدل ،
كيف يعقل ان نتحدث عن عدالة محلقة بجناحين اذا كان احد الجناحين مهيضا مكسورا ؟
كيف يعقل ان يلحق الحيف حماة العدل بين من يصفهم بمتهربين  من الواجب الوطني الملقى على عاتقهم وبين من يجردهم من مقاربة تشاركية في سن قوانين تهمهم ؟
للمقاربة التشاركية اهمية  محورية ولم يعتبرها دستور المملكة  تعبيرا يجري تداوله في الخطابات الرنانة  على ألسنة المسؤولين فقط، وإنما هي من أركان صنع السياسات العمومية
المحامون يدركون ان عبارة السلطة القضائية جاءت لتواكب ما استحدث في الشأن القضائي وخاصة استقلال السلطة القضائية على وزير العدل ،
فلماذا تستمر الوزارة في استبعاد المقاربة التشاركية كلما تعلق الامر بالمحامين والحال انهم جزء من اسرة القضاء وان المهنة حرة مستقلة لها خصوصياتها ونبل رسالتها ؟
واذا كان  القاضي هو من يصدر الاحكام ، فإن المحامي هو من يدافع على الحقوق ، هو من ينوب ويؤازر الاطراف ، هو من يقدم المقالات  والمذكرات والمرافعات ، اذ ان مراحل  صدور الحكم كلها يستأثر بها الدفاع لينحصر دور القاضي في الترجيح واستيعاب مدى مطابقة الدفوعات للقوانين والنصوص التشريعية
فلماذا يحرم المحامي من الانخراط في مناقشة قانون مهنته ليترك المجال احيانا للوعيد واخرى للاستبداد التشريعي من طرف  كائنات تخضع لتغول الأنا ؟
خصوصا اذا علمنا  ان مشروع ق.م.م، في الوقت الذي كان  من المفروض ان ينتصر لتوسيع اختصاصات المحامي اعتمد   منهج التضييق والحد  من  اختصاصاته الامر الذي نستنتج معه الانتقاص من دوره والمساس بروح العدالة ومبتغاها
استبعاد المقاربة التشاركية في سن قانون مهنة المحاماة يتناقض مع اعراف  المهنة وتقاليدها المتعارف عليها عالميا ، اذ ان سن نصوص خاصة بمهنة المحاماة يختلف قطعا مع سن مقتضيات قانونية  تخص قوانين  اخرى اذ للمهنة منذ القدم خصوصيات  مردها التقاليد والاعراف ونبل الرسالة  الانسانية وان اي تعديل او تجويد او تتميم فانما يجب ان يكرس المكتسبات التاريخية مع تحيين واضافة النصوص التي تبرز دور المحامي وتسهيل مهمته وتمكينه من العيش الكريم موازاة  مع جناح العدالة الاخر ، بدل تقزيم دوره واقصائه من المشاركة في سن قانون ان تم تمريره بعوار او رداءة او مساس بمكتسباته فان عليه ان ينتظر عشرية او اكثر من اجل تجويده وتحيينه ، اعتبارا من كون القانون رقم 28.08 المتعلق بتعديل القانون المنظم لمهنة المحاماة،الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.08.101 المؤرخ في 20 من شوال 1429 (20 أكتوبر 2008) صدر منذ اربعة عشر سنة ، لذلك فان صدور قانون لا يتلاءم مع خصوصيات المهنة ومتطلباتها قد  يفرض  على المحامين انتظار اكثر من عشرية اخرى من اجل التغيير والتتميم  والتحيين
لذلك فان انخراط المحامين ومواكبة عملية سن قانون مهنتهم ليست ترفا او تطاولا وانما ضرورة وضمان استمرارهم لاعلاء شأن العدالة بشموخ ، موازاة مع العيش الكريم
لمثل هذا يستمر النضال بغض النظر عن التسعيرة والفوترة وتعقيد الاجراءات لاثقال  كاهل المحامين  بتعقيدات مختلفة تنهك قدراتهم وتحول دون تركيزهم على نبل الرسالة و القيام بالدور المنوط بهم ، في الوقت الذي يشتغل  فيه القضاة في ظروف مريحة بدخل  ومزايا مختلفة وراحة بال و تقاعد مستقبلي لا يطرح اشكالا ، عكس   المحامي المنعدم للضمانات المستقبلية ، والمواجه بمختلف التكاليف والتعقيدات  والمصاريف المهنية والعائلية في غياب تام لوضوح الرؤيا !

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *