سياسة النظام العسكري العدائية المنبوذة تُدمِّر طموح الجزائر لشغل مقعد في مجلس الأمن
عبدالقادر كتــرة
يبدو أن طموح النظام العسكري الجزائري في شغل مقعد عضوية مجلس الأمن الدولي قد تبخّر وتبدّد وتلاشى بعد أن تقلصت حظوظه بشكل مرعب نتيجة نزعته العدائية وعجرفته المرضية وسياسته الاستبدادية وتدخلاته الخرقاء في شؤون الدول المجاورة وغير المجاورة وردوده وشطحاته الانفعالية والمزاجية وعدم احترامه للمعاهدات والمواثيق الدولية التي أفقدته المصداقية والموثوقية، وجعلت العديد من الدول ينبذونه ويتجنبون التعامل معه ويرفضون الاستثمارات بالجزائر وتوقيع الاتفاقيات معه…
ومنذ أن عبّر النظام العسكري الجزائري رغبته عن ترشحه لشغل مقعد بمجلس الأمن في شهر فبراير 2021، ومصادقة الاتحاد الإفريقي ، خلال الدورة الـ 38 لمجلسه التنفيذي، على ترشيح الجزائر لعضوية مجلس الأمن الدولي للفترة 2024/ 2025، وإعلان المملكة العربية السعودية دعمها للجزائر لشغلها مقعد في مجلس الأمن…، وبعد أن طبّل النظام الجزائري ومزابل إعلامه الرسمية وقنوات صرفه الصحي وجرائده المراحيضية، وهلَّلوا وغنَّوْا ورقَصوا، يبدو أن جنرالات النظام العسكري بثكنة بن عكنون وأزلامهم كهنة معبد قصر المرادية بالجزائر العاصمة، بلَعوا ألسنتهم وصاموا الصوم الأبدي وسكتوا سكوت ساكني المقابر، ويبدو أنهم نسوا الموضوع بعد يقينهم أن لا أحد بات إلى جانبهم وفقدوا الجيران والأصدقاء والأحباء والداعمين لهم بائعي ضمائرهم قبل الأعداء ووُضعوا في خانة المنبوذين الممنوع الاقتراب منهم.
وسبق لوزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، أن قال في تصريح صحافي في أعقاب لقائه الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، في ماي الماضي: “إن الرياض تدعم ترشح الجزائر لاستلام مقعد غير دائم في مجلس الأمن، مضيفا: “نثق أن الجزائر ستكون لاعبا أساسيا في الاستقرار الإقليمي“.
وكان الاتحاد الأفريقي قد أعلن، في مايو من العام الماضي، عن دعم ترشيح الجزائر لعضوية مجلس الأمن الدولي للفترة 2024 – 2025، ممثلة للمجموعة العربية والأفريقية في المجلس.
وأكد المسؤول السعودي أنه أبلغ الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون بتقدير القيادة السياسية في السعودية، مشيرا إلى أنه بحث خلال لقائه مع نظيره الجزائري رمطان لعمامرة “بعض النقاط العامة في العلاقات الثنائية والقضايا الإقليمية، حيث لدينا توافق كبير حول القضايا التي تهم بلدينا والأمن في العالم والتطورات الهامة في الساحة الدولية”، لكن…، يقينا، لم يعد ذلك التوافق واقعا وطبعت علاقات العسكر الجزائري والمملكة العربية السعودية برودة وفتور، خلال الأشهر الماضية، بسبب عناد وعجرفية جنرالات ثكنة بن عكنون، نتج عنها إلغاء زيارة ولي العهد السعودي للجزائر الأمير محمد بن سلمان، كانت مبرمجة في 29 يوليوز الماضي، وهو ما يفقدها للمرة الألف ، دعما من الوزن الثقيل، سواء على مستوى الدعم في مجلس الأمن أو لتنظيم مؤتمر دول الجامعة العربية في الجزائر.
دخل النظام العسكري الجزائري في خلافات مع الدول المجاورة بسبب حشر أنفه في شؤونهم الداخلية، ودون الحديث عن عدائه الأبدي والمرضي، للمملكة المغربية الشريفة وصرف أكثر من 500 مليار دولار من قوت الشعب الجزائري الفقير والجائع لتقسيم المغرب وتجزيئه عبر وكيله وصنيع عصابة البوليساريو التي خلقها واحتضنها فوق أرضه وسلح مرتزقتها ومَوَّلَهُم ودرّبهم لمهاجمتها، تدخل في شؤون ليبيا الشقيقة وهددها باحتلال العاصمة طرابلس واعتبرها خطًّاً أحمر، كما سبق أن صرح بذلك علانية الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، وحشر أنه في الشؤون الداخلية للشقيقة تونس، وصرح علانية في إيطاليا، بكونها دخلت في أزمة خانقة بسبب سياسة الرئيس التونسي قيس سعيد وبضرورة عودة تونس للمسار الديمقراطي، وتدخل مباشرة في دول مالي ونشر مرتزقة فاغنر بالجنوب الجزائري وشمال مالي واحتضن الجماعات الإرهابية بكلّ أصنافها وتلاوينها، وهدد غير ما رمة الشقيقة موريتانيا بالتدخل العسكري إن غامر النظام الموريتاني بالتقرب من المغرب، وتحول إلى محامي إثيوبيا في قضية سد النهضة ضد البلدين العربيين المسلمين العضويين في الجامعة العربية…، واصطف إلى جانب النظام الإيراني الشيعي ضد العدو المشترك للدول العربية المسلمة وتحول إلى أعينه ورداراته وكاميراته في الجامعة العربية..
فقد النظام العسكري الجزائري دعم بعض الدول الأوروبية والاتحاد الأوروبي بعد أن تدخل في شؤون جارته الأوروبية إسبانيا وأثار خلافا معها وأخلّ بمعاهداته وهاجمها وموّل مظاهرات واحتجاجات وأحزاب يسارية وأقلام صحافية مأجورة ضد الحكومة الإسبانية التي اتخذت موقفا إيجابيا من قضية الصحراء المغربية بدعمها للحكم الذاتي المقترح من طرف المملكة المغربية الشريفة، وحوّل “حبّه وغرامه” لإيطاليا ومنحها الغاز والبترول بأسعار تفضيلية أقرب إلى المجانية، نكاية في إسبانيا، ومحاولة لزرع الفتنة والسوء بينها الدول الأوروبية.
وفي الأزمة مع الجزائر قال الإتحاد الأوروبي أن بروكسيل تدعم مدريد وتدرس كل سبل الرد على الجزائر…، بل لأكثر من ذلك أن الإتحاد الأوروبي مرّر رسائل إلى النظام العسكري الجزائري الذي طالب عبر وساطة إيطالية من بروكسيل دعمه للحصول على مقعد داخل مجلس الأمن، وأن هذا الإتحاد الأوروبي يريد معاقبة الجزائر بمنعه من الوصول إلى المقعد.
ولخصت وزيرة المالية الإسبانية “ناديا كالفينو” هذا العقاب في شيطنة الجزائر، وتوريطها بوضعها في خندق العدو المهدد للديمقراطية والمصالح الأوروبية وحقوق الإنسان، وإظهار الجزائر كذلك البلد الذي يسعى للإضرار بالقضايا المصيرية لدول الإتحاد العجوز، حين قالت: ” بأن الجزائر تنحاز بشكل متزايد لموسكو، وأنها لاحظت تقاربا متزايدا بين البلدين خلال اجتماع الربيع لصندوق النقد الدولي”.
ويرى المحلل السياسي، نبيل سوامي، إن “مهمة الجزائر لتحقيق مراميها معقّدة على أكثر من صعيد”، وقال لـ “الترا جزائر”: “ستجد نفسها حتمًا (الجزائر) في مواجهة تحالف غربي يعارض عضويتها في المجلس، زيادة عن منافسين إقليميين“.
وأضاف محدّث “الترا جزائر” أنّ “علاقات الجزائر مع العديد من الشركاء الغربيين ليست في أحسن حال في الفترة الأخيرة”، مستدلًا بـ “تأزم الخلافات مع دول مثل إسبانيا بسبب الغاز وملف الصحراء ومع فرنسا القوة الاستعمارية السابقة لها”، وشرح قائلاً: “هي الآن في مواجهة كتلة من 27 دولة مؤثّرة تملك شبكة من التحالفات بما يجعلها قوة “فيتو” يعرقل عضويتها المحتملة في المجلس الأممي“.
ولفت المتحدّث إلى أن “رفضها المشاركة في العقوبات الاقتصادية على روسيا إثر غزو أوكرانيا في 24 شباط/فيفري 2022 ومقاومتها للضغوط التي مورست عليها من قبل الولايات المتحدة الأمريكية لرفع حجم تدفق الغاز نحو القارة الأوروبية، سيجلب لها مزيدًا من العداء من الغرب“.
وأشار في الصدد إلى “الغرب بقيادة الولايات المتحدة قد لا يرغب في صعود دولة تحرص على استقلالية مواقفها السياسية وتنزع لعدم الانخراط في عمليات الاستقطاب الحالية في الساحة الدولية“.
وتصنف الجزائر في التقارير التي تُعدّها كتابة الدولة حول اتجاهات التصويت في مجلس الأمن والجمعية العامة بأنّها “من الدول التي وقفت ضدّ أو لم تصوّت لصالح القرارات واللوائح التي تقترحها واشنطن وحلفاؤها“.
بعد 20 عامًا.. أهدر النظام الجزائري كلّ فرصه للفوز بمقعدٍ في مجلس الأمن الدولي، وعليه أن يجلس في قاعة الانتظار 20 سنة أخرى أو أكثر حتى يتعلم ويدرك ويفهم ويعي ويستوعب ويقتنع بأنه مجرد دُويلة تسيَرها عصابة علة حدّ تعبير الفريق الراحل قايد صالح رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي الجزائر المغتال من طرف صديقه ومرؤوسه الذي عيّنه نائبا له، وعلى النظام أن يتخلى على الحكم للمدنيين السياسيين الأكفاء المحبين لشعبهم وشعوب العالم المتعايشين تحت قبة منظمة الأمم المتحدة…