المنظرون الجدد
حمو حمان
سأل صحفي الكاتب المصري «ﻋﺒﺎﺱ محمود ﺍﻟﻌﻘﺎﺩ» من منكما أكثر شهرة، أنت أم محمود ﺷﻜﻮﻛﻮ ؟! (شكوكو هو مونولوجيست مصري هزلي شهير، كان يرتدي ثياب المهرجين لإضحاك الناس ).. فردّ عليه «العقاد» باﺳﺘﻐﺮﺍﺏ: مين ﺷﻜﻮﻛﻮ هذا ؟! عندما وصل خبر هذه المحادثة ﻟﺸﻜﻮﻛﻮ قال للصحفي : «قل لصاحبك العقاد ﻳﻨﺰﻝ ﻣﻴﺪﺍﻥ ﺍﻟﺘﺤﺮﻳﺮ، ويقف على أحد الأرصفة وسأقف أنا على الرﺻﻴﻒ المقابل، ﻭﻧﺸﻮﻑ اﻟﻨﺎﺱ (هتتجمع) ﻋﻠﻰ ﻣﻴﻦ..!». وهنا ردّ العقاد: “قولوا ﻟﺸﻜﻮﻛﻮ ﻳﻨﺰﻝ ﻣﻴﺪﺍﻥ ﺍﻟﺘﺤﺮﻳﺮ ﻭﻳﻘﻒ ﻋﻠﻰ ﺭﺻﻴﻒ ﻭﻳﺨﻠﻲ «ﺭﻗّﺎﺻﺔ» ﺗﻘﻒ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺮﺻﻴﻒ الثاﻧﻲ ﻭﻳﺸﻮﻑ ﺍﻟﻨﺎﺱ (هتتجمع) على مين أﻛﺘﺮ..!» .
عبارة العقاد الأخيرة رغم قسوتها إلا أنها تلخص واقعا مريرا مفاده أنه كلما تعمق الإنسان في الإبتذال والهبوط والإنحطاط، ازدادت تفاهته وخواءه الفكري..
إن ميل الناس إلى السذاجة والتهريج والسطحية ليس جديدا، فثمة انتقادات لهذا الميل العجيب المتدني منذ زمن سقراط، لكنه للأمانة لم يحقق أقصى درجات إبتذاله إلا في عصرنا الحالي، و هذا ينطبق على جوقة ” المنظرون الجدد ” على مواقع التواصل الإجتماعي ، فعند غياب القِيم والمباديء الراقية وإفسادها يطفو الفساد المبرمج ذوقا وأخلاقا وقِيما ! إنه زمن الصعاليك الهابط!
صراحة، لئن كانت الحسرة والأسف هو ما يخالج الضمائر الحية، أمام هذا الإنحطاط الفكري ،فالفهم المؤسس على القواعد العلمية ، جعلنا نتبين أهمية الإدراك المعرفي والتصور الشمولي والتقييم القبلي والبعدي عند الخوض في بعض المواضيع والأمور التي تتطلب نوعا من التخصص . أَما وقد أصبح العاقل العالم غريب بيننا، وأصبح أخلاط الناس، بغاث الطير، يخوضون في كل شيء ، فاقرأ للعلم و التخصص السلام ، لذلك فلن نتفاجأ لتطاول ما يسة سلامة الناجي (سجاح الجديدة) على الثوابت المنصوص عليها في الدستور وأهمها أن دين الدولة هو الإسلام ، لكن سجاح الجديدة صاحبة الصنطيحة العريضة من كثرة تناقضاتها فإنها لن تجد حرجا للخروج والقول بأنها لا تؤمن بالأديان ولكنها في نفس الوقت تؤكد على مبايعتها للملك محمد السادس وكأن الملك ” واقف على البيعة ديالها ” ، علما كذلك بأن البيعة هي طقس ديني إسلامي وهو ما لا تؤمن به سجاح الجديدة حسب إدعاءاتها التي تشتم منها رائحة خدمة أجندات غير معلنة .
نفس الشيء ينطبق على بعض الأصوات في الخارج والتي تصنف نفسها ظلما وجهلا في خانة ” المعارضة” أمثال المسماة ذنيا الفيلالي ومحمد حجيب وفسحة وغيرهم ، حيث لا لفظ أنسب لوصفهم من “تافهين” ، ليحددوا لنا وهم من ذوي الخواء الفكري كل شيئ، ما نرى بأم أعيننا أنهم يحددونه وما لا نتصور في يوم أنهم قادرون على تحديده. هؤلاء يحددون لنا من سعر الزيت إلى طبيعة ونوعية عاداتنا وقيمنا إلى مهاجمة المؤسسة الملكية ، وحين يحدد لك التافهون طعامك، يصبح مائعا، فكيف بقيمك ومؤسساتك التي يسعرونها بالدولار والأورو وخدمة الأجندات المشبوهة ؟
بذلك، نجد المسماة دنيا الفيلالي التي لا تجيد تكوين جملة مفيدة تخوض في أمور تفوق مستواها الفكري والمعرفي مع الخلط في المواضيع والمفاهيم لعدم إلمامها بها أو كما يقول المثل الفرنسي “Elle passe du coq à l’âne “، (نجدها ) وغيرها وخدمة كما قلنا لأغراض مشبوهة تتطاول على ثوابت المغاربة و مؤسساتهم ودائما تحت شعارات الديموقراطية والشعبوية وحرية التعبير ، حتى صار الأمر يذكر بما كان مونتسكيو Montesquieu يحذر منه من وجوب صون الحرية من الابتذال، عندما قال إن “ممارسة الحرية من قبل أكثر الشعوب تمسكاً بها تحملني على الاعتقاد بوجود أحوال ينبغي أن يوضع فيها غطاء يستر الحرية مثلما تستر تماثيل الآلهة”.
فهل المعارضة المسؤولة تمارس بالنقد البناء و طرح البدائل والمقترحات أم بالسب والقذف والرداءة والإنحطاط ؟ وهل تدرك هذه التافهة وأمثالها حجم شرعية الملك الدينية والتاريخية والدستورية والشعبية في النظام السياسي المغربي ؟ شرعية تجعل الملك في غنى عن أي تزلف أو تأثر بما حاكته من دسائس أنظمة ودول تم تركيعها فما بالك بتراهات التافهين ,,
وما يضحكك في سلوك بعض من هؤلاء المنظرون الجدد أمثال سجاح الجديدة و” طبال الليل والنهار” في الولايات المتحدة الأمريكية المدعو تحفة ، هو ارتكابهم لفظاعات وكوارث وبعدها يخرجون لشكر الملك والأجهزة الأمنية وهو ما لا يمكن التعليق عليه سوى بالقول “هل واتتكم غصة بكاء ؟”
بكل تأكيد، ظاهرة تحكم التفاهة هي ظاهرة عربية ، إلا أن مظاهرها، آثارها ونتائجها هي “نموذجية” في مجتمعنا المغربي ، حيث أصبحت هي القاعدة لا الاستثناء ، ظاهرة لها أسبابها ودوافعها وأبرزها إقصاء النخبة وغياب سياسة حكومية ناجعة في مجال الثقافة، فبعد فشل أصحاب المرجعية الإسلامية (العدالة والتنمية) طوال الولايتين الماضييتين في إرساء ثقافة نابعة من الحضارة الإسلامية، ها هي الحكومة الحالية و من خلال وزيرها في الثقافة تبشرنا بدعم الألعاب الإلكترونية، فأي جيل يريد إعداده السيد الوزير المحترم الذي نذكره مرة أخرى بما أشرنا إليه في مقال سابق بأنه قبل الحديث عن إقتصاد الثقافة وجب التساؤل أولا هل لدينا ثقافة إقتصادية قوامها الجودة العالية والأداء والذوق الرفيعين والإبداع والإبتكار ؟؟؟