قراصنة التراث المغربي الجزائريون يحاولون السطو على الطربوش الأحمر الفاسي المغربي
عبدالقادر كتــرة
يواصل قراصنة التراث المغربي سرقاتهم وسطوهم لكلّ ما هو مغربي ولم تسلم من أيديهم الدنيئة حتى الطرابيش بعد محاولة سرقة التاريخ ورجاله وعظمائه ومآثره وتراثهم من شعر وأغاني وموسيقى والطبخ والأطعمة والألبسة والأسماء والعادات والتقاليد و…و…، وتزوير الوقائع وتحريف التاريخ ونسبها إليهم دون خجل ولا حياء ورغما عن كلّ ما قيل وكُتب ودُوِّن من طرف المؤرخين وشهادات الشهود الذين عايشوا العصور…
قوم خبيث بدون تاريخ وفاقد للهوية وبدون ماضي ولا حاضر، كما أشار لذلك في مذكراته المارشال ليوطي الحاكم الفرنسي السابق للمستعمرة الفرنسية التي أطلق عليها اسم “الجزائر” وأُسست بمرسوم بعد إضافة أراضي من الدول المجاورة، مع الإشارة إلى أن عمر هذه البلاد لا تتجاوز ال60 سنة أقل من عمر كاتب هذا المقال والذي عتش في مدينته وجدة عشرات اللاجئين الجزائريين قبل الاستقلال، قائلا: “لقد أمضينا قرابة 80 سنة في الجزائر، وأكثر من 35 سنة في تونس، غير أننا حديثو العهد بالمغرب، ولم نطأ أرضه بالشكل الراسخ الملائم، أي أننا لم نتجاوز بعد 8 سنوات فيه، منها 4 سنوات بالنسبة للحماية.
لا مقارنة لنا بما قام به “الجنرال آمادAmade” في 1908، وما أردفه في الجزائر ما بين 1830 و1832. علاوة على ما سبق، فلا يمكن قياس الجزائر بنفس مقياس المغرب، فالأولى تلعب دور “المستعمرة” في حين الثانية لها دور “الحماية”، مسألة آداب ومقاييس ليس إلا. عند قدومنا إلى الجزائر، لم تكن هذه الأخيرة سوى قطعة أرض يعلوها التراب وقاحلة، والحياة قليلة فيها، تحكمها قوة وحيدة تتجلى فيما تبقى من “الدايات” الترك.
بالنسبة للمغرب، فقد كان الوضع مختلفا بدرجة واضحة، إذ واجهنا إمبراطورية لها تاريخها العظيم واستقلاليتها الواضحة، غيورة على حدود استقلالها ومنتفضة في وجه كلّ استعباد، مستعينة بكونها دولة ذات أسس قوية ومتينة، تحتكم إلى الملكية وخادميها، ناهيك عن حضورها الخارجي القوي، وأيضا إلى هيئاتها الاجتماعية القائم بعضها إلى غاية اليوم”.
لا بدّ من تذكير القراصنة الجزائريين لصوص التراث المغربي وتاريخه وتقاليده وعاداته الذين يدّعون أن الطربوش جزائري نشره العثمانيون في تونس والجزائر ومنها انتقل إلى المغرب، في الوقت الذي ينفي الأتراك أنه ليس من تراثهم ويعترفون بأن الطربوش الأحمر الفاسي هو مغربي تمّ جلبه من المغرب الحرّ الذي لم يستطع العثمانيون دخوله، ثم تمّ استعماله في تركيا الإمبراطورية العثمانية ومستعمراتها بما فيها الجزائر، بعد إضفاء عليه بعض التغييرات منها الزيادة في الطول..
الطربوش، هو غطاء للرأس كالقبعة حمراء اللون أو من مشتقات اللون الأحمر بين الأحمر الفاتح والأحمر الغامق أو أبيض اللون وهو على شكل مخروط ناقص تتدلى من الجانب الخلفي حزمة من الخيوط الحريرية السوداء، وهو مشهور في العالم يحمل اسم المدينة التي تصنعه أيادي الصناع المغربة المهرة والبارعين في جميع الفنون من المعمار والزليج والنسيج والطبخ وغير ذلك، ويطلق عليه بالفرنسية باللغة الإنجليزية والفرنسية والتركية واليونانية بـ (FEZ) نسبة إلى فاس العاصمة العلمية للمملكة المغربية الشريفة.
نشا الطربوش في المغرب ثم انتقل إلى الإمبراطورية العثمانية في القرن التاسع عشر، وأنه عُرف هناك كغطاء للرأس منذ قرون طويلة جدا، واستعمل بكثرة لدى شعوب شمال أفريقيا ومصر وتركيا والشام. في مذكرات الدبلوماسي الفرنسي لوي شينيي التي تعود لسنة 1775 كتب أن الفرنسيين يقلدون الأتراك في تسمية الطربوش بفاس “Fez”، وأن الأتراك سموه بذلك لأنهم دأبوا على استيراده من فاس. كما وصف محاولات تونس تقليد أهل فاس وأنهم لم يصلو إلى إتقان أهلها وأن المصانع فرنسية بدورها تحاول أن تنافس أهل فاس.
ويعتبر استخدام الطربوش حالياً مقصوراً في المغرب والجزائر وتونس وعلى بعض الأشخاص وربما علماء الدين الذين يضيفون العمامة البيضاء أو الملونة السادة أو المنقوشة حول الطربوش. هناك نوعان من الطرابيش بعضها تصنع من الصوف المضغوط (اللباد) أو من الجوخ الملبس على قاعدة من القش أو الخوص المحاك على شكل مخروط ناقص.
ومن أقدم الروايات التي وصلت عنه، رواية المقدسي، ذلك الجغرافي العربي الذي عاش في القرن العاشر الميلادي ، فقد روى أن أهل فاس في المملكة المغربية، يغطون رؤوسهم بطاقية حمراء .
وبعد المقدسي بستة قرون، جاء حسن الوزان المعروف باسم ليون الأفريقي، وهو من أهل القرن السادس عشر الميلادي ، فقال أن أهل فاس من أصحاب المقامات يغطون رؤوسهم بطاقية مصنوعة من اللباد الأحمر.
بمدينة فاس العتيقة، زار موقع “هسبريس”، محمد المسكيني صانع الطربوش الفاسي، المعروف في مختلف أنحاء العالم بـFEZ، باستعمال أدوات قديمة ورثها عن “الطرابشي” مولاي أحمد العلوي، الذي تعلم على يديه هذه الحرفة قبل أزيد من نصف قرن.
ويعد المسكيني، الذي يبلغ من العمر 70 سنة، أقدم وآخر صانع بالطريقة اليدوية للطربوش الفاسي في مدينة فاس العتيقة، محافظا بذلك على هذه الحرفة من الانقراض في زمن قل فيه الإقبال على هذا النوع من الطرابيش التي تعد رمزا للأناقة والهوية المغربية.
يقول المتحدث نفسه للموقع :”إن الطربوش الفاسي يختلف عن الطرابيش الحمراء التي تشبهه في مصر وتونس وتركيا من حيث الشكل وطريقة الصنع، ويفوقها جودة وإتقانا، مشيرا إلى أن صناعة الطربوش الفاسي بالطريقة اليدوية تمر من مراحل تحتاج إلى الكثير من الصبر والخبرة”.
وتبدأ صناعة الطربوش الفاسي، كما أوضح ذلك المسكيني ل”هسبريس”، بصناعة قالب الطربوش انطلاقا من قطع من الكارتون أو حصائر الدوم التي يتم جلبها من آسيا، باستعمال مكواة أسطوانية تسخن على فرن الغاز، ثم يغلف القالب بقطعة مخروطية من القماش الأحمر قبل تثبيت تشكيلة من الخيوط الحريرية، ذات اللون الأسود، تعرف بـ”الشوشة”، على السطح العلوي للطربوش.
وأضاف المتحدث عينه للجريدة أن “هناك عدة أصناف من الطربوش الفاسي، أشهرها الطربوش الوطني الأسطواني، والطربوش المثلث الشكل”، مبرزا أن كل صنف يختص بمناسبة معينة؛ مثل حفل الولاء، والمناسبات الوطنية والرسمية، وحفلات طرب الآلة.
وأوضح المسكيني أن الطربوش المشهور بطربوش محمد الخامس، القصير نوعا ما، يصنع بألوان تنسجم مع لون الجلباب والبلغة (النعل)، مؤكدا أن الطربوش الأحمر الفاسي هو الأكثر إقبالا، “لكونه يناسب الجلباب والجبدور ويزيد صاحبه أناقة”.
“كان الأفارقة يقبلون على اقتناء الطربوش الفاسي، وخاصة في ساحل العاج والسنغال، حسب نفس المصدر، كما كان لدينا زبناء من تونس ومصر، لكن، خلال السنوات الأخيرة، تراجع الطلب على منتوجنا”، يقول المسكيني موضحا أن مريدي الطريقة التيجانية، الذين يحجون إلى فاس، أصبحوا يكتفون بوضع عمامتهم الكبيرة المزركشة الألوان بدل الطربوش الفاسي.
وختم محمد المسكيني لقاءه مع هسبريس بالقول: “الطربوش الفاسي هوية ورمز للأصالة المغربية التي تجسدها مدينة فاس؛ فعندما يرتدي المرء الطربوش الفاسي في أي مكان من العالم، يعرف، من خلال ذلك، أنه من المغرب”.