الجزائر: حجز مركبات بقيمة 1000 مليار أخفاها رجل الأعمال “طحكوت” المحكوم ب16 سنة
عبدالقادر كتــرة
في أكبر عملية حجز لممتلكات رجال الأعمال الجزائريين الذين تمّ اعتقالهم من طرف النظام العسكري الجزائري الحاكم الذي كانت عناصره من أفراد العصابة وهو الإسم الذي أطلقه الراحل المغتال رئيس الأركان السابق الفريق قايد صالح، كشفت مصالح الأمن الوطني الجزائري صورا تظهر ممتلكات رجل الأعمال السابق “محي الدين طحكوت”، التي حجزتها مصالح الأمن الوطني ممثلة في المصلحة المركزية لمكافحة الجريمة المنظمة والمصلحة الولائية للشرطة القضائية لأمن ولاية الجزائر نهاية الأسبوع المنصرم والتي تقارب 1000 مليار سنتيم.
العملية تمت على مستوى مستودعات كل من الرغاية، أولاد فايت، الدار البيضاء واسطاوالي بالجزائر العاصمة ومستودع بولاية بشار، التي كانت تحتوي على هذه الممتلكات مخبأة من طرف بعض الأفراد من عائلة رجل الأعمال السابق محي الدين طحكوت وبعض المقربين منه، ولم يصرح بها إلى الحرس القضائي، ولا إلى الجهات القضائية المختصة في حجز الممتلكات، وهذا بهدف تحويلها وبيعها بطريقة غير شرعية.
وأسفرت عملية التفتيش عن ضبط وحجز507 مركبة، من بينها 267 سيارة سياحية فاخرة، 84 شاحنة من مختلف العلامات، دراجات مائية (Jet sky) وقوارب نزهة، دراجات نارية فاخرة، أزيد من 800 علبة كبيرة تحتوي على قطع غيار السيارات و30 حاوية تحتوي على 63 محرك جديد للحافلات.
وتظهر الصور التي كشفت عنها مصالح الأمن أن جزء من السيارات تم ترقيمها بطرق ملتوية، وجزء آخر كان في طور تسوية الوضعية الإدارية، وذلك بتواطؤ مع بعض موظفي الإدارة.
وتورط في هذه القضية 24مشتبه فيه، من بينهم أفراد من عائلة رجل الأعمال السابق محي الدين طحكوت وبعض المقربين منه، الذين تم تقديمهم أمام النيابة المختصة عن تهم إخفاء عائدات إجرامية ناتجة عن جرائم الفساد، تبييض الأموال وإخفاء عائدات إجرامية من خلال إخفاء مصدرها الإجرامي.
وقد اعتقل في يونيو 2019، بتهم الفساد وغسيل الأموال والمحسوبية والاستفادة من الامتيازات الممنوحة له لدخول الأسواق التجارية في انتهاك واضح للقوانين الجزائرية، وتعد محاكمته رابع محاكمة كبرى في البلاد بعد الإطاحة بالنظام السابق ورئيسه بوتفليقة.
وأُدين “محي الدين طحكوت”، الملياردير الجزائري الذي جمع ثروة طائلة في فترة قياسية، بالسجن لمدة 16 عاماً بأمر من محكمة في العاصمة الجزائرية، فضلا عن غرامة مالية قدرها 8 ملايين دينار جزائري (نحو 62 ألف دولار أمريكي) ومصادرة أصول وحسابات مصرفية تابعة لعائلته، بتهم تتعلق “بالفساد وتبييض الأموال “، كما طالت أحكام بالسجن وغرامات مالية أعضاء آخرين في عائلته، هم ابنه وثلاثة من أشقائه.
وتورط رئيسا الوزراء الجزائريين السابقين، كلّ من عبد المالك السلال وأحمد أويحيى، وتمّ الحكم في القضية ذاتها ، وحكمت بسجنهما لعشر سنوات وتغريمهما في قضية “منح امتيازات غير مستحقة” لطحكوت، لكنها برأتهما من تهمتي الرشوة والتصريح الكاذب.
فمن هو طحكوت الذي باتت محاكمته رمزا لقضايا الإثراء غير المشروع من “امتيازات غير مستحقة” في ظل نظام الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة؟ وكيف تحول من بائع بسيط إلى ملياردير وقطب في قطاعات النقل وصناعة تجميع السيارات والتجارة في زمن قياسي؟
بدأ طحكوت المولود في الجزائر عام 1963 العمل في سن مبكرة في سوق للخضروات في بلدية الرغاية، في سبعنيات القرن الماضي، وقاده العمل المبكر إلى ترك الدراسة والانخراط كليا في العمل في السوق، لكنه بات في أقل من عقدين مالكا لشركة نقل كبيرة وقطبا تجاريا معروفا في السوق الجزائرية.
تنقّل طحكوت في مهن مختلفة تتعلق ببيع وشراء السيارات وورشات تصليح السيارات القديمة، قبل أن يؤسس شركة للنقل العمومي أواخر الثمانينيات “بدأت بشراء أربعة حافلات قديمة وتشغيلها للنقل بين بلدته الرغاية وبومرداس والجزائر العاصمة”، بحسب مقربين منه.
وقد توسعت شركة النقل تلك وبشكل خاص بعد حصولها على عقد تقديم خدمات النقل الجامعي منتصف التسعينيات، لتصبح شركة طحكوت للنقل الجامعي التي سيطرت على النقل الجامعي في معظم الولايات الجزائرية.
في عام 2009، حاول طحكوت التوسع في إعماله والدخول إلى قطاع النقل الجوي عبر مساهمته في رأس مال شركة “سلام تور” التي تتولى تمثيل شركة “إير مديتيرينيان” الفرنسية في الجزائر، بيد أن تجربته تلك لم تعمر طويلا، إذ سرعان ما انسحب منها مركزا عمله على قطاع النقل البري وتجارة السيارات كما أسس شركة “سيما موتورز” لتجارة السيارات التي اهتمت بمشاريع تجميع السيارات في الجزائر.
وحصلت الشركة على امتياز شركة هيونداي الكورية الجنوبية العملاقة لبناء مصنع لتجميع سياراتها في الجزائر و أنشأت مجمعا صناعيا لهذا الغرض في منطقة “فرندة” ويعمل فيه نحو 350 عاملا.
وجاءت تلك المحاكمات التي طالت بعض رموز النظام السابق ومراكز القوى فيه وكبار رجال الأعمال المتعاونين معه، بعد نجاح حراك الاحتجاج الشعبي الذي انطلق في الجزائر في 22 فبراير 2019 في اجبار النظام الحاكم في الجزائر على خلع رئيسه بوتفليقة الذي حكم البلاد لثلاثة عقود متتالية، وكان يطمح بولاية رئاسية جديدة.
وقد انطلقت في أعقاب ذلك حملة اعتقالات ومحاكمات للمسؤولين ورجال الأعمال المحسوبين على النظام السابق والذين استفادوا من امتيازات في عهد بوتفليقة ظلت مستمرة حتى الآن، وقد قادت إلى سجن عدد من كبار المسؤولين ورجال الأعمال بتهم الفساد، من بينهم سعيد بوتفليقة، الشقيق الأصغر للرئيس السابق، والفريق محمد مدين المعروف باسم توفيق الذي كان رئيساً لجهاز المخابرات لمدة 25 عاماً، (الذي أطلق سراحه بعد اغتيال رئيس الأركان الفريق قايد صالح من طرف صديقه نائبه السعيد شنقريحة الذي أخذ مكانه)، والجنرال بشير طرطاق، منسق جهاز الاستعلامات السابق.