الوجديون يدمرون ما تبقى من مآثر مدينتهم الألفية بسبب فوضى احتلال الملك العمومي
يتم اغتيال أسوار مدينة وجدة بسبب تدخلات أشخاص جشعين، تحت أعين المسؤولين وبمباركة منهم بصمتهم، حيث تتعرض مآثرها الداخلية إلى الإهمال والضياع من طرف المواطنين ب”مساهماتهم” في تلويث المحيط وفوضى الباعة المتجولين والقارين والتجار واحتلال الملك العمومي من أرصفة ومسالك ومداخل المساجد دون احترام حتى الأماكن المقدسة”.
عبدالقادر كتــرة
ليس من الغريب أن ينتاب الزائر لمدينة وجدة وهو يتجول في أرجائها بعض الشعور ، مفاده أن ليس هناك ما يمكن مشاهدته بهذه الحاضرة من تراث عمراني يثير بكثرته وتنوعه الانتباه ويستجيب للتساؤلات سوى بعض المعالم القليلة والتي يعود غالبيتها لفترة الحماية . إنها لا شك إحدى المفارقات التي تميز الذاكرات العمرانية لهذا المجال الجيوـ سياسي من المدن المغربية القديمة، ورغم تاريخه المديد الذي يفوق العشرة قرون وما صاحب ذلك من انعكاسات سلبية عديدة مست استقراره، وتحكمت في اندثار متواصل وحثيث لجزء نجهله من تراثه العمراني، وذلك بسبب وجود المنطقة في ملتقى القوى السياسية المتصارعة خلال بعض الفترات التاريخية .
وفي غفلة من المسؤولين على الشأن المحلي من السلطات المحلية ومجلس جماعة وجدة ووزارة الثقافة، أسوار مدينة وجدة القديمة الوحيدة ومآثرها التاريخية تتآكل بناياتها وتتساقط واجهتها وتوشك على الانهيار خاصة تلك المحيطة بساحة باب سيدي عبدالوهاب بعد انهيار جزء من جانب السور الجنوبي مدخل وسط المدينة القديم (أسواق الجزارة والسمك والتوابل والأفرشة..) والذي يتم ترميمه بعد الاستجابة لمقالات سبق أن نشرناها، حيث تنتظر فقط زخات مطرية خفيفة، في غياب الاهتمام والمراقبة والمتابعة، في ظل الجهل بأن هذه الموروثات التاريخية والثقافية من المآثر التي لا تعوض.
الوجديون يدمرون ما تبقى من مآثر وجدة الألفية
كان أول من أحاط مدينة وجدة بالأسوار هم الموحدون ثم تم تدمريها في عهد المرينيين بعد صراعهم مع بني عبدالواد ثم أعيد بناء القلعة سنة 1336م وتم تجديدها في عهد المولي إسماعيل سنة 1679م. ويبلغ علو أسوار القصبة ما بين 6 و7 أمتار وقاعدتها مترا واحدا و30 سنتيمترا وبنيت بالطين المضغوط. وخلال أحداث آخر القرن التاسع عشر من هجومات القبائل المجاورة والتي كانت مدينة وجدة مسرحا لها وبعد تنامي الأحياء خارج الأسوار وحماية لها قرر عامل المولى عبد العزيز على وجدة ادريس بن عيش بناء سور وكان ذلك ما بين أكتوبر 1895 وأبريل 1896 بسواعد سكانها.
يتم اغتيال أسوار مدينة وجدة بسبب تدخلات أشخاص جشعين، وبتورط من مجلس الجماعة الحضرية للمدينة، حيث تتعرض مآثرها الداخلية إلى الإهمال والضياع لا من طرف المسؤولين على الشأن المحلي ولا من طرف المواطنين ب”مساهماتهم” في تلويث المحيط وفوضى الباعة المتجولين والقارين والتجار واحتلال الملك العمومي من أرصفة ومسالك ومداخل المساجد دون احترام حتى الأماكن المقدسة”، بشهادة أحد الأساتذة الباحثين بجامعة محمد الأول بوجدة.
ويستطرد أن خير دليل على ما يقوله، ما تتعرض له الأسوار من تدمير ببناء محلات تجارية على جوانبه و”سقاقي ثلاثة” والواجهة الغربية للمسجد الأعظم أو “الجامع الكبير” كما يحلو للوجديين تسميته والذي بني في عهد أبي يوسف يعقوب المريني سنة 1296/1296 م، ووسط المدينة القديمة فضاء الأسواق، حيث ترمى بالأزبال وتُكوَّم هناك بأركانه وتفعل بها الحرارة والمياه النتنة ما تفعل حيث تجد جميع أنواع الحشرات ما تحتاج إليه قبل أن تنضاف إليها مجموعة من القطط والكلاب الضالة.
الأسوار والنصب التذكارية ذاكرة من مدينة وجدة
محمد شابير رئيس جمعية مجموعة البحث في تاريخ وتراث الشرق المغربي لاحظ أنه فترة الاحتلال الفرنسي للمدينة ثم بعد الاستقلال ، تسارعت وتيرة اندثار أصناف متنوعة من التراث المعماري ، وغلب على هذه العملية الطابع الإرادي تارة ، وتارة أخرى تحكمت في ذلك العشوائية وسوء التقدير لقيمة التراث المستهدف. وساق أمثلة معبرة من الذاكرة /المعالم التي اختفت في هذه الظروف الخاصة .
الباحث رئيس الجمعية ذكر بأنه خلال بداية العشرينيات من القرن الماضي وتحت ضغط التوسع الحضري الأوروبي ومتطلباته قررت سلطات الحماية الفرنسية هدم أجزاء واسعة من أسوار الجهتين الغربية والشمالية الغربية للمدينة ، حيث شملت العملية خط الأسوار الممتد من الباب الغربي إلى باب أولاد عمران ، مرورا بباب الخميس وحتى نهاية امتداد الأسوار في الشمال ” لتسهيل الاتصال وربط النسيج العمراني المستحدث في المدينة القديمة بالتوسعات العمرانية الأوروبية الجديدة ” ، وكان هذا الإجراء أولى تجربة من نوعها في التطاول على التراث المعماري المغربي القديم ، وقد ترتب عنها تشويه واضح لتشكيلة أسوار المدينة التي تم تشييدها في نهاية القرن التاسع عشر ( 1896 ) ، كما أحدث هذا التدخل الإداري شرخا كبيرا في انتظام الأسوار وجماليتها العامة .
رئيس مجموعة البحث أثار اختفاء النصب التذكارية بعد أن قامت سلطات الحماية الفرنسية بإزالة نصب تذكاري يحمل اسم “Monuments des Morts” عند شروعها في توسيع شارع فرنسا السابق (شارع محمـد الخامس حاليا) . ومن المفارقات أنه في سنة 1995 تعرض النصب التذكاري الشهير ، الذي شيد على ما يبدو في العشرية الأولى من القرن العشرين بثكنة Jacques Roze للهدم حيث أزيلت هامته التي تحمل كتابات وأرقام لاتينية تؤرخ للحدث ، ولم يبق منه في الوقت الحالي سوى القاعدة التي لا تعبر عن أي شيء..
” ورغم أن القراءة الظاهرية لهذه المسلة Stèle تخلد ذكرى مقتل ضابط السبايس J. Roze ، إلا أنها تحمل بالنسبة للباحث الرصين دلالات وطنية أكثر عمقا لم يتم الانتباه إليها ، حيث تؤرخ بافتخار للمقاومة الشعبية التي قادتها قبائل بني زناسن في مواجهة الغارات التي ظلت تشنها سلطات الاحتلال الفرنسي على سهل أنكاد والدير الجنوبي للجبل طوال شهري أكتوبر و نونبر من سنة 1907 وحتى مطلع شهر يناير من سنة 1908 بعد احتلالها لمدينة وجدة ” .
ومن المعلوم بحسب المصادر العسكرية والإعلامية الفرنسية لهذه الفترة، يضيف الباحث الأستاذ محمـد شابيــر رئيس جمعية البحث في تاريخ وتراث الشرق المغربي، أن حملات الجيش الفرنسي انتهت بإخضاع قبائل بني زناسن الجنوبية وفرضت عليها ذعائر فادحة ، وأحدثت بمجالها الريفي خسائر كبيرة في الأرواح والممتلكات والبيئة … والملاحظ أن حجم وطبيعة هذه الخسائر لا يزالان مجهولين ويلفهما الكثير من الغموض والكتمان حتى الآن.
غياب وتجاهل المسؤولين الأوصياء ومساهمة في تدمير مآثرها
وضع المسؤولون على الشأن المحلي لمدينة وجدة الألفية أنفسهم خارج تاريخها، بعد أن تمّ الترخيص لشركات حافلات النقل الحضري بركن حافلاتها التي لا تتوقف محركاتها طيلة اليوم، على سور المدينة العتيق وباب الغربي وحديقة لالة مريم التي تُعد من معالمها.
تاريخ المدينة القديمة ومآثرها والحدائق المحيطة بها، تتعرض لاغتيال بعد تفويت ساحاتها ومحيطها وأزقتها لاستعمالها مواقف للسيارات انطلاقا من ساحة القصبة وعلى أسوارها التي أَرَّختْ لها لأزيد من ستة قرون ونصف القرن منذ عهد الموحدين، والسماح باحتلال أرصفتها وساحاتها.
وتضم المدينة القديمة، بالإضافة إلى المسجد الأعظم أو ما يطلق عليه الوجديون ب”الجامع الكبير” في عهد أبي يوسف يعقوب المريني سنة 1296/1296 م على مساحة 1300 متر مربع. مساجد أخرى قديمة أهمها “جامع عُقْبة أو العَقَبة” ويقال أنه أول مسجد بالمدينة ثم “جامع حدادة”…بالإضافة إلى كل هذا تضم المدينة القديمة الواقعة داخل الأسوار أقدم مدرسة بالمغرب وهي مدرسة “سيدي زيان” التي بنيت سنة 1907 والمحكمة الإدارية سابقا ومحكمة قضاء الأسرة التي تعتبر تحفة في المعمار المغربي والتي بنيت بمال المحسنين ومتحف المقاومة، في الوقت الذي فوتت ساحاتها للخواص كمواقف للسيارات والحافلات دون التفكير في أسوء النتائج التي تحدثها أدخنة عوادم السيارات وارتجاجات محركاتها على تلك المآثر…، دون الحديث عن نافورة ساحة بن عمر في قلب مدينة وجدة التي تم تدميرها كلية والعبث ببساطها النباتي وتحولت إلى مطرح للأزبال والأكياس والنفايات، كما تحول محيطها الإسمنتي إلى كراسي بفعل احتلال الباعة للطرقات والملك العمومي ولم يعد للزائر مشاهدتها.
المجهودات التي تقوم بها السلطات المحلية والحملات المحتشمة التي باشرتها وتباشرها من حين لآخر لتحرير الملك العمومي بعد احتلاله من طرف الخواص بمدينة وجدة، باءت بالفشل وضاعفت من عزيمة العديد من المترامين على مساحات من الملك العمومي من الأرصفة والفضاءات المحيطة حتى الخضراء منها في بعض أركان المدينة واستغلالها للمصالح الشخصية والأنشطة التجارية على حساب أمن وسلامة وحرية المواطنين.
مشاريع إعادة الاعتبار للمدينة العتيقة بمئات الملايين من الدراهم
رصد غلاف مالي لبرنامج إعادة الاعتبار للمدينة العتيقة بوجدة ناهز 183.7 مليون درهم. واستفادت من المشروع المدينة العتيقة التي تمتد على مساحة 28 هكتارا، حيث وصل عدد البنايات بها إلى 1250 بناية. وتم إنجاز أكثر من 40 في المائة من المشروع همت ترميم شبكات التطهير والطرقات وترصيف الأزقة وبعض الساحات بغلاف مالي بلغ 7 ملايين درهم، وتدعيم البنايات الآيلة للسقوط وترميم دار السعادة وتنقية الخرب (5 ملايين درهم)، وإعادة بناء الأبواب التاريخية وترميم الأسوار (2 مليون درهم) وتهيئة حديقة للامريم (9 ملايين درهم)، وتهيئة ساحة وقيسارية المغرب العربي (5.79 مليون درهم، حيث شملت الأشغال في الساحة ، التي تمتد على مساحة 2500 مترا مربعا، عمليات الترصيف والإنارة والتشجير وبناء رواق الفنون وتجديد واجهات مسجد وقيسارية.
كما تم إنجاز برنامج التجديد الحضري لساحة باب سيدي عبد الوهاب بغلاف مالي يبلغ 120 مليون درهم، وبناء سوق جديدة بدل المستودع البلدي القديم، وترميم السور القديم بغلاف مالي إجمالي يبلغ 25 مليون درهم، فيما يهم الشطر الثاني تهيئة ساحة عمومية وفتح طريق جديد بين ساحة المغرب العربي وسوق طنجة، وإعادة تهيئة السوق نفسه بغلاف مالي يبلغ 95 مليون درهم.