فكيك: ونحن على أبواب استحقاقات 2021 هل سينجح التوافق هذه المرة؟

بقلم اعمر محمد
ـــ شيء من ” التاريخ ”
لمعرفة الوضعية التي كانت عليها الساحة الحزبية والسياسية بفكيك ولتلمس بعض عناصرالاجابة على سؤال العنوان اعلاه يبقى الرجوع إلى التاريخ القريب مفيدا الى حد ما فقد كانت ” الواحة ـ المدينة جماعة قروية منذ اول انتخابات جماعية عرفها المغرب بداية الستينيات ، مع بداية التسعينات(1992 ) تحولت الى جماعة بلدية ،تزامن ذلك محليا واقليميا مع تأسيس اجهزة حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بشكل رسمي لأول مرة بعد سنوات من الضغط والتضييق على الحريات وما تولد عنه من مشاعر التذمر والتهميش…الخ واعتبر آنذاك حدثا تاريخيا ونقطة تحول كبيرة في حياة المجتمع، التف السكان حوله بشكل عجيب وكان حديثهم اليومي الى درجة الاعتقاد بعصبية انه حزب لا يأتيه الباطل لا من بين يديه ولا من خلفه وهذه الاولى من بين نقط القوة التي كانت تحسب لهذا الحزب الذي اكتسح الساحة بلا منازع واستطاع ان يجمع بين احضانه ” ما لا يجمع ” من مكونات النسيج الاجتماعي وضم و بدون استثناء مختلف شرائح المجتمع المنتمية للقصور السبعة “او العشائر” التي تتكون منها الواحة وباعتباره مؤسسة تتبنى شعار الحداثة كان يعول عليه كثيرا للمساهمة في القضاء على التفكير القبلي الضيق ورص الصفوف وتوحيد الجهود وعلقت عليه آمال كبيرة لإخراج الواحة من العزلة والهشاشة ومما كانت تتخبط فيه من مشاكل لا حصر لها.
زد على ذلك التنظيم المحكم ( فروع محلية ــ كتابة اقليمية ــ شبيبة اتحادية ــ قطاع نسائي ــ دراع نقابي ـ أنشطة ثقافية وسياسية ــ زيارات متكررة لأطر الحزب المركزية …الخ )هذا ما يفسر التصويت لصالحه سنة تلوى الأخرى مما جعل منتخبيه “ يتربعون لسنوات على كراسي تدبير الشأن المحلي” الى درجة اصبح ينعت ب” حكم الحزب الوحيد ” وبما ان دوام الحال من المحال ومع تراكم الأخطاء المرتبطة بعلاقة المناضلين فيما بينهم وأسلوب إقصاء الكفاءات من شباب الحزب و احتكار المهام والمواقع وعدم القدرة أو حتى التفكير في استثمار نقط القوة بشكل جيد بالإضافة إلى طريقة تسيير وتدبير المجلس البلدي بدأت أحلام وأمال ” المناضلين ” والسكان تتبخر حيث بقيت مجموعة من المشاكل التي تهم الحياة اليومية للسكان عالقة هي، هي إلى حد الآن ( قطاع الصحة ــ قطاع السياحة ــ الهجرة ــ البنية التحتية ــ …، بدأت مشاكل الحزب الداخلية تطفو على السطح اذن واصبح السكان يشكون في النوايا ويفقدون الثقة ويعتبرونه المسؤول عن الفشل في تدبير شؤونهم فبدأوا ينفضون من حوله إلا قليل وبدا الشباب يبتعدون عن حقل السياسة بسبب الممارسات المذكورة وفقدان الأمل في كل تغيير بل أن المدينة عرفت خلال هذه الحقبة هجرة شبابية ” جماعية ” إلى الخارج منقطعة النظير فاصبح المشهد الحزبي باهتا.
الى جانب حزب الوردة نذكر ” عدوه اللدود ” المشاكس حزب منظمة العمل الديموقراطي سابقا ثم حزب اليسار الاشتراكي الموحد فيما بعد عملية الاندماج وعلى الرغم من ان هذا الحزب لم يكن في نظرنا بنفس القوة ” الشعبية ” الا انه شكل على فترات معارضة مزعجة إلى حد ما لكن عدم حصوله في الانتخابات الجماعية اللاحقة على أي مقعد يمكن ان يعتبر بمثابة تراجع في المشهد الحزبي المحلي.
ورغم المحاولات المتعددة لإحياء حزب الاستقلال خاصة في فترات الاستعداد للانتخابات إلا انه لم يستطع ان يبرز كحزب فاعل داخل الواحة حيث لا تكاد تمر فترة حتى يذهب كل واحد إلى حال سبيله فيغلق مقره ولا يسمع ” لمناضليه” ركزا وبالتالي لم تكن له بصمات او تأثير يذكر في الساحة الحزبية خلال الفترة المعنية، نفس القول ينطبق على حزب الحركة الشعبية الذي اراد ان يضع له موقع قدم بالواحة الا انه فشل فشلا ذريعا وفي المهد.
ــ حزب التجمع الوطني للأحرار يمد رجليه نحو فكيك وينعش الساحة السياسية.
تعتبر سنة 2009 نقطة مفصلية وتحول جذري في حياة المجتمع بفكيك (الاجتماعية والسياسية) مما جعل الانتخابات الجماعية لهذه السنة تختلف عن سابقاتها و تكتسي طعما آخر خاصة أنها تزامنت مع ما عاشته الواحة من أحداث دامية واصطدام عنيف بسبب الأراضي الجماعية السلالية كادت تتسع رقعتها خاصة مع فشل محاولات إصلاح ذات البين مما سيجعل المسالة القبيلة تطفو على السطح بقوة ووضوح فاختلط الحابل بالنابل (السياسي ــ القبلي ــ الشخصي…الخ) في خضم ذلك ظهر حزب كان ينعت الى عهد قريب بالحزب الاداري أصبح ينافس بشكل قوي حزب” الوردة ” وهذا ما سناتي على تبيانه.
في هذه الفترة وحزب “الوردة” يستعد لخوض غمار هذه الانتخابات ( انتخابات 2009) يفاجئ اياما قبلها بمجموعة من المناضلين ” القدماء ” تشق عصا الطاعة ” لأسباب خلافية مما أدى إلى تصدع وانشقاق في صفوف الحزب ــ لم يكن الاول من نوعه ــ إلا أن هذا الانشقاق الأخير كان من نوع خاص سواء من حيث قوته او من حيث ظرفيته ووقعه حيث لم يكتف الغاضبون بالانسحاب أو الجلوس في المقاهي يترصدون من بعيد أخطاء أصدقاء الأمس ويمارسون ” نميمة سياسية” بل عزموا على خوض المنافسة اما بصفة مستقلة او عن طريق الحصول على تزكية ” حزب التجمع الوطني للأحرار ” فخاضوا حملات قوية مدعومين من طرف السكان وخاصة الشباب منهم الذين عادوا الى الساحة بعدما كانوا قد ابتعدوا عن السياسة والسياسيين وكانت ثمرة هذا الدعم الحصول على نتائج بدا يسمع معها حسيس فكرة التناوب او التوافق واهميته في تدبير الشأن المحلي وتحقيق” المصلحة والمصالحة”.
سنتين بعد ذلك وبمناسبة الانتخابات التشريعية (2011 ) عبرت شريحة عريضة من السكان هذه المرة على رأي مخالف وكنوع من “العقاب ” او كرد الفعل على ما اشرنا اليه من مشاعر الإقصاء واحتكار للمواقع والانفراد ب”المناصب” و” فشل ” وارتجالية في تدبير الشأن المحلي دعمت وبقوة مرشح ” الحمامة ” المهندس القادم من مدينة تالسينت الذي استطاع ان ينتزع المقعد البرلماني (إلى جانب المرشح الاستقلالي ومرشح الحزب الديموقراطي الاجتماعي) نتيجة ولدت معها مشاعر سلبية بل يمكن اعتبارها من بين اسباب “افشال” محاولة التوافق 2015.
وبذلك يكون حزب التجمع الوطني للأحرار امام هذه النتائج وفي ظرف وجيز قد حقق الكثير و أصبح الحزب المنافس الوحيد لحزب «الوردة ” و استطاع الاستمرار في تعميق تجذره بالواحة خاصة بعدما احدث قطاعاته واجهزته التنظيمية ( عدة فروع على صعيد الإقليم ــ كتابة اقليمية ــ تنسيقية ) واصبح يدخل غمار الانتخابات في كل مرة وبنفس العزيمة ؟ ليتضح ان ظهوره على واجهة المشهد الحزبي بفجيج لم يكن لظروف مؤقتة كما اعتقد البعض او كرد فعل سرعان ما يختفي ويتبدد بل اصبح مؤسسوه ومن يقف ورائهم يرون ان التعددية الحزبية من مصلحة الواحة بدل الهيمنة وسيطرة “ الحزب الوحيد ” والى الأبد خاصة مع النتائج المحدودة في تدبير الشأن المحلي وبعض الوهن على الصعيد الوطني؟
ـــ استحقاقات 2015 وفشل او افشال فكرة التوافق.
خلال استحقاقات 2015 فشل حزب التجمع الوطني للأحرار في الوصول الى دواليب المشاركة في تسيير الشأن المحلي وهو ما سنعود اليه بقليل من التفصيل في الفقرات اللاحقة من هذا المقال، الا انه افلح مقابل ذلك في انتزاع مقعد العضوية بمجلس جهة الشرق ممثلا عن اقليم فكيك من اصل 4 مقاعد كانت من نصيب الحزب على مستوى الجهة ككل وان كان هذا المعطى في شموليته هو بدوره يطرح اكثر من سؤال؟ حيث كانت عاصمة الجهة ــ مدينة وجدة ــ تعتبر الى وقت قريب وبلغة الحروب معقل او مهد هذا الحزب ومؤسسه رجل الدولة السيد احمد عصمان.
واذا كانت رئاسة المجلس الاقليمي لفجيج قد الت الى حزب الاستقلال فقد تمكن ” عضوان ” من حزب التجمع الوطني للأحرار بالظفر بعضوية المجلس الاقليمي اسندت مهمة الكاتب لاحدهما حيث حصلت لائحته على 39 صوت مقابل خروج حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية خاوي الوفاض بعدم حصوله على أي مقعد بهذا المجلس اذ لم يتجاوز نصيبه من الاصوات 12 صوتا من اصل 253 صوت معبر عنها لم يتمكن من تمثيل اقليم فكيك بالجهة رغم ان تمثيلية حزب الوردة نفسه في مجلس الجهة ككل لم تتعد 4 مقاعد حيث تلزمنا هذه النتيجة كذلك بطرح أكثر من سؤال.
لنعود الى الصعيد المحلي فقد تم انصاف الحزبين معا حيث وزعت المقاعد بينهما بالعدل ــ خمسة مقاعد لكل حزب ــ وبعد مخاض عسير من جولات الحوار الت الرئاسة في نهاية المطاف الى الحزب ” العتيد ” وبقى منتخبو حزب ” الحمامة ” خارج دواليب التسيير بعدما فشلت محاولات الدفع الى نسج نوع من التوافق بين الفريقين والذي كان سيؤدي لو كتب له النجاح بالشكل المرغوب الى تحقيق العديد من الاهداف نخص بالذكر منها:
01ــ الوصول الى تشكيل مكتب متوازن على المستوى الحزبي و”القبلي” كذلك هذا البعد الذي لا يزال حاضرا مع الاسف في السلوك الانتخابي للمغاربة عموما وان بشكل متفاوت في القوة والدرجة بين الحواضر والقرى.
02 ـ مراعاة نوع من الكفاءة والتجربة قصد التمكن في ظل المقتضيات الدستورية والقوانين الجديدة من التفرغ لحل مشاكل المواطنين ووضع استراتيجية وفق منظور جديد وضمان مناخ صحي للاشتغال يسوده التعاون والوئام والثقة بغية الانكباب على رفع التحديات التي تبدو كبيرة وكبيرة جدا.
03 ــ ضمان التمثيلية الوازنة على الصعيد الاقليمي والجهوي ترقى الى مستوى طموحات السكان وتطلعاتهم وضمان التمثيلية على صعيد المؤسسة التشريعية.
لقد تظافرت في اعتقادي مجموعة من الاسباب الموضوعية والذاتية لم تساعد على بلوغ التوافق المنشود بين القوتان المحليتان الاساسيتان الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وحزب التجمع الوطني للأحرار من بينها ضيق الحيز الزمني فقد انطلقت المشاورات في وقت متأخر وربما بشكل فاجأ الطرفين بل وربما لم يكن امر التوافق واردا من اساسه حتى تنضج الفكرة ويتولد الاستعداد لقبولها و التعامل معها بسلاسة ، عدم توفر الارادة الحقيقية ناهيك عن غياب التواصل المؤسساتي اما الاسباب الذاتية فتتمثل اساسا في غلبة النوايا السيئة المبنية على الاحكام المسبقة ” السلبية ” و ربما على اوهام وعلى اعتقادات خاطئة بالإضافة الى اللغة المزدوجة والغموض بدل الشفافية والوضوح مما نتج عنه فقدان الثقة بين الطرفين وبالتالي نهج سياسية الحذر بالإضافة الى تراكم الخلافات الشخصية وتصفيات حسابات ضيقة تعود الى الماضي كما سبقت الاشارة (فترة الانتخابات الجماعية لسنة 2009 ).
ولنغلق القوسين وما يرتبط بهما من الماضي ولنعد الى موضوع فشل فكرة التوافق فزيادة على ما تقدم، لعبت الدعاية المغرضة ايضا دورا كبيرا في تسميم الاجواء خاصة اثناء فترة المشاورات والتي غالبا ما كان مصدرها اشخاص عوض التواصل المؤسساتي المسؤول والواضح كما تقتضي شروط التفاوض والاعراف والاخلاق السياسية.
وعلى العموم يبدو ان الانتخابات المحلية 2015 تم تدبيرها منذ البداية ومرة اخرى بالعقلية التقليدية والتفكير بثقافة ما قبل دستور 2011 بالإضافة الى ان هذا التدبير لم يتم بخلفية امكانية التوافق والتراضي اذ تم اللجوء في تدبير هذه المرحلة ـ مرحلة المشاورات ـ الى اليات غير الاليات التي يستلزمها التراضي والتوافق واستعمال لغة غير لغتهما حيث طغت لغة الغلبة والانتصار واثبات الذات وكسر العظام بدل الاعتراف المتبادل والتعاون والتآزر.
استحقاقات 2021 هل سيتم استيعاب الدروس و هل سينجح التوافق هذه المرة؟
يبدو هذه المرة ان محاولات اخرى قد انطلقت مبكرا وفي الوقت المناسب قصد تقريب وجهات النظر والدفع الى نسج توافقات تتجاوز الكلومتر 40 للمدينة لتمتد وتشمل الانتخابات البرلمانية ايضا وان كانت لاتزال لم تتضح بعد معالمها وخطوطها وتفاصيلها بشكل جلي الا انها مبادرة تستحق الدعم والتشجيع والتنويه وراءها منتخبون محليون وبرلمانيون سابقون خبروا دروب ودهاليز السياسة والتدبير ورجال اعمال ناجحين وخيرة من الاطر والفعاليات كفؤة ومؤهلة …فهل ستنجح هذه المرة؟؟؟ وهل سيتم استيعاب الدروس واخذ العبر وعدم التعنت والتمادي في ارتكاب مزيد من الاخطاء والنظر الى ما في التوافق والتراضي من قوة ووحدة وتماسك وكسب الرهان في ظل احداث عرفتها الواحة وتحديات مستقبلية (احداث اراضي العرجة ــ الاراضي الجماعية …) وتدارك عامل الزمن الذي لم يعد يسمح بتضييع المزيد من الوقت والمزيد من الفرص ففرصة مثل هذه قد لا تتاح مرة اخرى فلينظر الجميع ما هم فاعلوه اذن ؟؟؟.
الاتي من الايام هو الكفيل بالإجابة على هذه التساؤلات الا انه مهما كانت الاجوبة فعلى جميع الفاعلين بشكل عام ودون استثناء الجمعويون منهم ، السياسيون، ممثلو الجماعات السلالية …الخ ان يدركوا انه ليس من مصلحة سكان الواحة الانشغال بالصراعات المرتبطة ب” بالانتماء القبلي ” والحسابات السياسية الحزبية الضيقة الهامشية والتقديرات الخاطئة غير الدقيقة فتضيع بسببها المصالح الحقيقية للبلاد والعباد و بدل الدوران في حلقة مفرغة على الفاعلين الجلوس على طاولة واحدة والمساهمة في التخطيط لتوافق يجعل الانتخابات محطة يشعر معها الجميع بالمصير والمستقبل المشترك وبداية فتح افق جديد والتنسيق في مجالات اخرى ثقافية ،اجتماعية، جمعوية، تنموية رياضية نحو تذويب القبلية والانغلاق على الذات والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل.