تجديد اتفاقية الهجرة بين تركيا والاتحاد الأوروبي في سياق المؤاخذات المتبادلة
على مدى السنوات الخمس الماضية شكل اتفاق الهجرة بين الاتحاد الأوروبي وتركيا، الذي انتهى في مارس الماضي، أحد الملفات الشائكة التي توجه منحنى العلاقات بين أنقرة وبروكسل؛ وسيشكل أحد أبرز المواضيع التي ستناقش خلال الزيارة عالية الرمزية لرئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين ورئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال اليوم الثلاثاء لأنقرة.
ووفقا لهذا المنظور، يستأثر اتفاق الهجرة، الموقع في مارس 2016، بحصة الأسد ضمن أجندة لقاء المسؤولين الأوروبيين بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان؛ لقاء بحمولة سياسية قوية يعكس الدينامية الإيجابية التي تميز حاليا العلاقات بين الجانبين، لاسيما في ظل تراجع التوتر شرق المتوسط، وفي سياق الرغبة في تعزيز الثقة المتبادلة لفسح المجال أمام إحراز تقدم في عدد من الملفات الحساسة، لاسيما اتفاق الهجرة في ارتباطه بمسار الانضمام للاتحاد الأوروبي.
وبقدر ما يتفق الجانبان على أن اتفاقية الهجرة، تبقى أفضل الخيارات المطروحة حاليا لحل أزمة اللاجئين، الذين تستضيف تركيا أربعة ملايين منهم وتوقف توافد الآلاف من طالبي اللجوء على الحدود التركية-الأوروبية، يختلفان حول سيناريوهات تمديدها أو مراجعتها تماشيا مع المستجدات في المنطقة أو إلغائها وتبني اتفاقية آخرى جديدة.
فمن جهة، يؤكد الاتحاد الأوروبي ضرورة تمديد أو تجديد الاتفاق كونه درعه الواقي أمام تدفقات الهجرة ومخاطرها، فيما ترى تركيا أنه ينبغي تجديد الاتفاق بما ينسجم مع التطورات المتسارعة التي تعرفها المنطقة.
وبخصوص اتفاق سنة 2016، ترى أنقرة أنه رغم تلقيها الجزء الأكبر من المساعدات المادية بقيمة ستة ملايير أورو على دفعات، إلا أن الاتحاد الأوروبي لم يف، في مقابل صد تركيا لموجات المهاجرين نحو الحدود اليونانية والبلغارية، بتعهدات رفع التأشيرة لفائدة المواطنين الأتراك، وتحديث اتفاقية الاتحاد الجمركي وإحياء مفاوضات الانضمام.
بالمقابل، يطالب المنتظم الأوروبي تركيا بتنفيذ ستة شروط لإلغاء التأشيرة، وهي اتخاذ تدابير في مجال مكافحة الفساد، وعقد اتفاقية تعاون مع مكتب الشرطة الأوروبي (يوروبول)، وتعديل قوانين مكافحة الإرهاب وفق معايير أوروبا، وتنظيم تعديلات قانونية أو دستورية متعلقة بحماية البيانات الشخصية وفق معاييره، والتعاون الفاعل مع جميع أعضاء الاتحاد بالقضايا المتعلقة بالجرائم، وتطبيق جميع بنود اتفاق إعادة القبول.
ووسط انقسام أوروبي إزاء قضية اللجوء، تجمع بلدان الاتحاد على أن اليونان هي خط الدفاع الأمامي في مواجهة تدفقات المهاجرين القادمين من تركيا، لدى لا تترد في مدها بكافة أشكال الدعم، من المالي الذي يخصص لبناء المخيمات وتدبير عمليات إيواء المهاجرين، إلى السياسي من خلال الاصطفاف إلى جانبها في خلافاتها مع الجارة تركيا، وخاصة قضيتي شرق المتوسط وقبرص.
ويذهب مراقبون إلى أن بروكسيل، في سياق هذا الدعم اللامشروط، تغض الطرف عن المعاملة السيئة لحراس الحدود البحرية اليونانيين مع طالبي اللجوء، ومن بينها إطلاق النار على قواربهم وإجبار من اقترب منهم من جزرها على العودة لتركيا في رحلة مزدوجة محفوفة بالمخاطر.
وأضافوا أن هناك من المنظمات الحقوقية الأوروبية والمؤسسات المتخصصة في اللجوء والهجرة، من تؤكد أن تعامل اليونان مع المهاجرين يخرق المواثيق والقوانين المنظمة للجوء في الاتحاد الأوروبي.
أما تركيا، فتدعو أوروبا في حال تجديد الاتفاق إلى دعمها في تحمل عبء الهجرة عبر تفعيل مفهوم الدفاع والأمن المشترك، وتناول القضايا الثلاث المرتبطة ببعضها (التأشيرة والاتحاد الجمركي والانضمام)، وذلك انطلاقا من إدراكها لقوة الورقة التي تفاوض بها الاتحاد الأوروبي، الذي لا قدرة له على استقبال المزيد من المهاجرين المحتملين في ظل الأزمة الاقتصادية والصحية المرتبطة بـ “كوفيد-19″، وأيضا أمام تأزم الأوضاع في العديد من مناطق الصراع، ولاسيما بسوريا واليمن بما يوحي باستحالة حل قريب في الأفق، ناهيك عن التوظيف السياسي للملف من قبل تيارات اليمينية المتطرفة بأوروبا.
ولعل مشاهد أزمة تدفق أمواج من المهاجرين في مارس من سنة 2020 على الحدود اليونانية البلغارية، حين قررت أنقرة رفع القيود على طالبي اللجوء الراغبين في التوجه نحو أوروبا، تجعل دول الاتحاد تفكر مليا في الثمن الذي ستضطر لدفعه إن هي قررت التخلي على الاتفاق أو نفذت تهديداتها بالعقوبات ضد أنقرة التي لا تتوقف عن التلويح بها.
وفي هذا السياق، يرى الباحث والمحلل السياسي التركي باسل الحاج جاسم، أن هناك حاجة مشتركة متبادلة بين الاتحاد الأوروبي وتركيا لتجديد أو تمديد أو إجراء تعديل ما على اتفاق الهجرة المبرم منذ 18 مارس 2016.
واعتبر، في مقال له نشرته مواقع إلكترونية محلية، أن أنقرة ربما تنظر إلى أن هناك الكثير من الأمور التي تم الاتفاق عليها ولم يفِ بها الاتحاد، وكذلك لبروكسيل بعض المآخذ على أنقرة، لكن الظروف اليوم والمناخ الإيجابي السائد بين الجانبين مهد للقمة الأوروبية، وبعثت برسائل إيجابية.
وأضاف “بما أن الأتراك ينظرون إلى أكثر من بند لم ينفذ، ربما سيفتح نقاش جديد، لاسيما لجهة رفع التأشيرة عن الأتراك الراغبين بدخول أوروبا، وتقديم المساعدات المالية التي لم تقدم كاملة رغم مرور أكثر من خمس سنوات، وتحديث اتفاق الاتحاد الجمركي وتسريع مفاوضات انضمام تركيا للاتحاد…”.
وفي انتظار نتائج زيارة فون دير لاين وشارل ميشل لتركيا بشأن مختلف القضايا المدرجة على جدول الأعمال، يمكن القول بأنه في حال تم إحراز تقدم في ملف الهجرة، فسيكون ذلك بمثابة ضخ دينامية جديدة في العلاقات التركية الأوروبية، تمهيدا لتقارب وجهات النظر لإيجاد حلول لبؤر التوتر السياسي بالمنطقة باعتبارها مصدر تدفق المهاجرين وطالبي اللجوء.
و.م.ع